منذ أيام، وتحديداً بعد إحراق مبنى بلدية طرابلس، كنت قد كتبت: “ما هي إلا أيام وتنتقل الأنظار إلى بقعة جغرافية أخرى، على المسرح الفوضوي”، وبالفعل انتقلت من طرابلس التي شهدت أخطر المخططات إلى الجنوب اللبناني، حيث اغتيل الناشط لقمان سليم.
48 ساعة على الاغتيال ولم تقدّم التحقيقات الأولية أي مؤشر يثبت عكس الاتهام الذي يتداوله السياديون في هذه البلاد، والخلاصة واحدة حتى اللحظة، سواء أدت إلى تنفيذ الاغتيال أم لا: عدوّ لقمان واحد هو “حزب الله”. وامام مشهد تكدس الجرائم في حق اللبنانيين أيضاً “ما هي إلا ايام وستنتقل الأنظار إلى بقعة جديدة”، في بلد يُغتال كل يوم برصاصات في الرأس والظهر.
ويقف مناصرو محور ايران، بوجه “الاتهام المتسرّع لـ”حزب الله” باغتيال لقمان، ومنهم “تاجر تغريدات” تحجّج بأنه “أمني يقرأ في المعطيات”. إنه عمل مستمر لتبييض صورة المحور الأسود وأذرعه. لكن فلنمضِ معهم في حجتهم القائمة على انتظار التحقيقات، على قاعدة “فليأخذ القضاء مجراه”، ونسألهم: عن أي قضاء تتكلمون؟ عن قضاء لم يستطع حتى اليوم أن يضع بوصلة التحقيق على السكة الصحيحة في هوية اصحاب شحنة نيترات الأمونيوم؟ أم عن القضاء الذي لم يصل إلى نتيجة في قضايا الاغتيالات السابقة أو الحديثة؟
وبعيداً من اي اتهام لـ”حزب الله”، بل من باب المسؤولية المناطقية من ناحية حضور نفوذ “حزب الله” الأمني جنوباً والتحريضية عبر الاعلام قبل الاغتيال، السؤال: لو تجرّأ القضاء ونطق بلسان الحق، هل سيحترم هذا الحزب “العسكري” القضاء؟
لا لن ولم يحترم “حزب الله” القضاء، ولم يلجأ إليه إلا حديثاً، في حركة “مسرحية” سقطت من حزب لا شرعية له.
لا لم يحترم القضاء ولا الدولة في السابع من أيار 2008 عندما وجّه سلاح المقاومة تجاه صدور اللبنانيين، وخصوصاً أهالي بيروت، ولم يحترمه بتسليم من حاول اغتيال الوزير السابق بطرس حرب، وأخيراً لم يحترمه عندما صدر الحكم الدولي بـ”تسليم سليم عيّاش”.
لبنان يعيش نموذجين “سليمين”، سليم أحد المشاركين في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري (بحسب المحكمة الدولية)، وسْليم أحد مناضلي بناء الدولة اللبنانية الحديثة الذي قُتل بدم بارد مثلما اغتيل شهداء الاستقلال الثاني. لم يسلّم “حزب الله” سليم، بل تسلمنا أول امس جثة سْليم لنصبح بين “السليمين”… أيادي عيّاش الإرهاب وجثة “لقمان” الدولة… ولقمان “لم يسلم” من سَليم!