سقط في الزمان والمكان الملتبسين وضحية محطات الصدف والتقاطعات
سقط لقمان سليم في الزمان والمكان الملتبسين إلتباس الغمّ اللبناني، في مساحة من الفراغ السياسي والأمني، في جغرافية نفوذ تطفح بالدلالة، في وسط ديمغرافي ربما أريد لإختياره أن يغذّي شبهة «كاد المريب أن يقول خذوني».
قُتل الرجل في مرحلة فراغ محلي وإنتقال إقليمي، يكثر فيها الإلتباس والعبث والعسس، مخصّبة إستخباريا وأمنيا، طافحة بالرمزية ومحطات الصدف والتقاطعات:
1-في ذكرى ستة أشهر لإنفجار المرفأ، الحدث الذي قلب الأولويات وأطلق دينامية دولية غير مسبوقة، تقودها فرنسا الراغبة في إيجاد مومنتوم لبناني يقود الى أمرين:
أ-مرحليّ، ركيزته حكومة مهمّة تطلق دينامية التصحيح الإقتصادي والمالي، وينظر إليها على أنها حجر الرحى في المآل الكياني للبنان.
ب-تأسيسيّ، سنده الرئيس بدء حوار وطني برعاية دولية يقود إلى إعادة النظر في مجمل النظام، بحثا عن عقد إجتماعي جديد يؤسس لصيغة مبتكرة تدير الإختلاف اللبناني وتجنّب وقوع البلاد في محظور إجترار الحروب كل عقدين أو ثلاثة، وهو الدأب الذي يتكرر كل حين بفعل فشل الصيغة الاساسية الميثاقية زمن الجمهورية الأولى وتعديلاتها مع بدء الجمهورية الثانية سنة 1990.
الإنقسام اللبناني العمودي يتجدّد ويُحكم طوقه على البلد لغاية تاريخه
2-بعد أيام من إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن «النظام اللبناني بمأزق بسبب الحلف بين الفساد والترهيب». كأن ثمة من أراد أن يستثمر في دم لقمان سليم لإقران كلام ماكرون بالفعل، فيكون الترهيب الجديد منصة لإطلاق حدث ما ساخن يمهّد للحلول الثقيلة.
3-عشية إطلاق المبادرة الفرنسية بنسختها المحدّثة، فيما تستعد باريس لإستقبال مسؤولين لبنانيين لكي تنتزع منهم إلتزاما كاملا بالتدقيق الجنائي التشريحي في حسابات مصرف لبنان. وهو الحجر الأساس في المبادرة، وما يجهد هؤلاء المسؤولون في التهرب منه، خوفا وإرتعادا (لا خجلا) مما إرتكبوه من جرائم موصوفة في حق اللبنانيين وثرواتهم.
4-تزامنا مع خلط الأوراق المقرر والمتوقع في الإقليم، إنطلاقا من المسألة النووية الإيرانية، وليس إنتهاء برغبة واشنطن في إيقاف الحرب في اليمن، وهي المهمة المرتقبة للديبلوماسي الأميركي تيموثي ليندركينغ المقرر أن يعينه الرئيس جوزف بادين مبعوثا رئاسيا خاصاً.
5-تقاطعا مع الكلام الكثير عن مرحلة إنتقالية ستعبث فيها أجهزة إستخبارية إقليمية ودولية متعددة الرؤوس والغايات، وستوظف لبنان من ضمن ساحات أخرى، لتحقيق إختراقات ما تواكب الحلول الآتية. وإستغلال أجهزة الظلال هكذا ظروف إنتقالية بات تقليدا إستخباريا متعارفا عليه.
6-على أعتاب تشكل محور ثنائي أميركي – فرنسي، يمنح باريس حرية الحركة في لبنان لتدبيج مخرج للأزمة المستفحلة. وهو محور شبيه بذلك الذي تشكّل في حزيران 2004 على هامش قمة النورماندي بين الرئيسين جورج ووكر بوش وجاك شيراك، والتي خلصت حينها الى توكيل باريس بإنهاء الوصاية السورية على لبنان، وتاليا فضّ الوكالة الدولية – العربية التي مُنحت لدمشق في العام 1990 ثمنا لمشاركتها رمزيا في حرب تحرير الكويت.
وكانت تلك القمة قد أطلقت دينامية سياسية دولية في لبنان، بدأت بإقرار القرار 1559، ولم تنتهِ بإغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومن ثم خروج الجيش السوري، وتشكّل الإنقسام اللبناني العمودي الذي لا يزال الى اليوم يُحكم طوقه.
زامنَ مقتل لقمان سليم كل هذه الأحداث والمحطات والتقاطعات، من غير أن يكون بالضرورة مرتبطاً بها إرتباطاً عضوياً. لكن الصدفة لا تحجب الشكوك التي تلت الجريمة عن المستفيد وعن العبث الإستخباري الدولي والإقليمي، وعن الإتهام السياسي الأولي لـ «حزب الله» ربطا بالعلاقة الملتبسة مع الراحل، كمعارض شيعي شهر منذ زمن خصومته للحزب ولجمهوره في قلب معقله.
كما زامن مقتل الراحل الدينامية الفرنسية – الأميركية المتوقع أن ترسي حلولا في الإقليم، فهل يوظَف إغتياله تزخيما لتلك الدينامية أم كبحا للحلول المنتظرة؟