IMLebanon

لقمان وملاك الموت والـ”أوفرتايم”

 

من قتل لقمان سليم كان حاضراً منتظراً. سبق وتمّ التخطيط للجريمة وبقي تحديد الوقت الملائم. ففرقة الإعدام تجيد ما تفعله عن ظهر قلب بعد خبرة واسعة وناجحة.

 

لا حاجة للتدريب. المراقبة دائمة وعلى مدار الساعة. لا شيء يترك للصدفة، حتى لا تتعرقل الخطوات على حين غرة، كما يحصل في الأفلام. المنفذون تلقوا الأمر. منهم من ترك كوب الشاي وتفحص سلاحه كإجراء روتيني، والآخر انتظر شريكه، أو غادر واصطحبه و… أنهوا المسألة.

 

ثم تفرقوا وعاد كلٌ منهم من حيث أتى. ربما بادروا الى غسل أيديهم وتعقيمها خوفاً من فيروس كورونا… وليس مما ارتكبوه. من كان يشرب الشاي رمى ما تبقى منه في كوبه، تماماً كما رمى رصاصه في رأس لقمان سليم، وفي ظهره ليدمغ جريمته بالغدر.

 

فمن كان مثل لقمان لا يُقْتَل وجهاً لوجه، يُقتَل غدراً، والقاتل يخاف من النظر إلى عيني لقمان، فيهما الكثير الكثير… لذا وهو أعزل إلا من عينيه وكلماته… كان يجب قتله من الخلف غدراً.

 

كان يسير إلى قدره، واثق الخطى، فخوراً بتميزه عن القطيع، فخوراً إلى درجة تخيف من يكفِّر الفخر والتميز، بحيث لم يحتمل مجرد وجوده.

 

سار إلى قدره، ليترك لنا الحزن والقهر، والخوف يهزنا ويكهربنا، ويطل من خلف رأسنا، تماماً من المكان الذي استقرت فيه رصاصات القاتل. يدعونا لنمارس رقابة ذاتية أو الأفضل أن نصمت، أن نغلق كل وسائل التفكير والكلام والكتابة ونصمت.

 

لكننا نرفض أن نصدق أننا أيضاً مستهدفون. نبرر لأنفسنا فعل الرفض بأننا لسنا بثقل الأبطال الذين تمّت تصفيتهم.

 

نقول: لعل القتلة يستخفون بما نكتب، ولا يحسبون حسابنا كأرقام صعبة يمكن ان تغير في جداول أولوياتهم وتهددهم.

 

ثم نعود الى الخوف، فنسمع تحذيرات الأحبة، ونكاد نصدق ان المجرم لن يوفرنا في هذا الزمن الفالت من عقال المساءلة والمحاسبة والعقاب… في هذه الساحة السائبة التي اسمها لبنان.

 

نقول إن الديكتاتور يريد للقطيع أن يسير برعاية كلابه من دون أي خروج عن الصف. حتى لو كان الواحد منا عنزة مصابة بالجرب. ربما لن يتسامحوا مع الخوارج بحسب تصنيفهم، مهما كان هذا الخروج هامشياً.

 

نخاف وترتجف قلوبنا ونفكر بابتلاع حناجرنا. ونحن نعلم علم اليقين أن هذا الاغتيال سيمر كما مرت إغتيالات مشابهة، لا تستدعي الا بيانات استنكار من القتلة وممن روضوهم، وعبارات خشبية عن التحقيق وعن كشف الجناة، وعن وعن… وأنين وصراخ مخنوق وغضب… غضب… غضب من كل من يدين الجريمة فولكلورياً، ثم يرى انها تؤسس لعنف وشر مستطير، فيحذر من الفتنة ومن التّهم الجاهزة المغرضة… والخطيرة على الوطن أكثر من الجريمة ذاتها، لأنها “استغلال سياسي وإعلامي على حساب الأمن والاستقرار الداخلي”.

 

وغضب… ونحن نتخيل كيف أوقفوا لقمان عقب مغادرته منزل صديقه. وكيف سددوا الضربات إلى وجهه ليغيروا شيئاً من نظرات عينيه التي تخفيهم. وكيف أنهوا المهمة التي لأجلها كانوا جاهزين، كما غيرها من المهام، بحيث لا يحتاجون لأكثر من إتصال حتى ينفذوها…

 

وكان لقمان يعلم، كما كانت صديقته الشريرة تعلم أن “ملاك الموت بطلّعلو أوفرتايم من رب العمل”.. كما غرد قبل بضعة أيام… ونحن نعلم أن الـ”الأوفرتايم” للشياطين وليس للملائكة…