Site icon IMLebanon

دارة لقمان وتحدّي قمع الحرّيات

 

الأقوياء بتخويف من لا ينضوي تحت لواء طاعتهم خائفون. “عدة شغلهم” أصابها عطل موضعي. والسبب أن رصاصات الغدر التي أطلقوها من الخلف على لقمان سليم جمعت من قرر تحدي الخوف ووحَّدت المشهد في حلقة حول بلاطة كتب عليها “وَقَفْتَ وَما في المَوْتِ شكٌّ لوَاقِفٍ/كأنّكَ في جَفنِ الرّدَى وهْوَ نائِمُ”.

 

هذا المشهد الجامع شكل طعنة للمشروع، فكر الأقوياء: ماذا نفعل اذا اتسع المشهد وتجاوز البلاطة/الشاهد؟

 

هل يمكن تفشي جائحة الحرية والسيادة والمواطنة ورفع الوصاية على رغم التصفيات الجسدية وإيديولوجيات الترهيب والتخوين وتخريب أي انتفاضة أو احتجاج بالشغب؟

 

ماذا نفعل حيال تصاعد الصلوات التي وصلت حتماً إلى الفردوس الأعلى بعدما وحَّدت دارة لقمان سليم المسيحيين والمسلمين؟

 

كانوا يأملون، على ما يبدو، أن يستمر الأمر هنيهات وتنتهي “همروجته”، وينفَضَّ المشهد وتبرد ردود الفعل.

 

ربما يحصل الأمر كما يأملون. لكن ذلك لا يحول دون خوفهم، ليس فقط من إلتقاء لبنانيين حول البلاطة/الشاهد، ولكن لأن اللقاء حصل في عقر دار البيئة التي صادروها ووضعوا يدهم على ناسها وقوَّلوهم ما يشاؤون. وكمموا أفواههم بما يخرج عن خطابهم، وأعموا عيونهم عن رؤية ما لا يتوافق مع مشهدياتهم.

 

لذا خافوا أن يرى جمهور البيئة الحاضنة وأن يسمع… وليس مهماً إن شتم البعض وشمت. المهم هو ماذا يدور في خلد الصامتين المذعنين من جماعة “العين لا تقاوم المخرز” عندما يكتشفون أن الآخر المجتمِع في دارة لقمان هو مثلهم، يتلو الفاتحة والأبانا ويتضرع إلى الله بالدعاء وطلب الغفران والراحة لنفس المغدور.

 

فالمعركة ليست فقط ضد من يعارض قدسية الديكتاتور وانتصاراته الإلهية، ولكن ضد من هو في رحمها، يصدق البيانات المستنكرة للاغتيال ويجاهر برأيه.

 

وقمة ضعفهم بدأت تتجلى في خوفهم من مواجهة الآخر ومناقشته ومحاججته بالمنطق والإقناع.

 

فكان استنهاض همم الجيش الإلكتروني الممانع.

 

والأهم طلب “العونة” من الحلفاء الذين يدّعون تمايزاً على تفاهمهم لزوم الشعبوية والشعارات التي لم تعد تبيع في سوق المفلسين. إلا أنهم “وقت الحشرة” نبذوا التمايز وسارعوا إلى تلبية النداء، وامتشقوا الشكليات لتكفير من تجرأ على مخالفة تقليد، وعابوه في سعيٍ الى مزيد من الشرخ، علّ المصلين يرتدون عن صلواتهم ويستنكرون مساهمتهم في بركات الكلام المقدس.

 

لم يوفروا وسيلة لمواجهة لقمان الذي تحايل عليهم حتى بعد أن غدروا فيه، وسجل نقطة حب وإيمان على طريقته في مرماهم.

 

لعلهم اعتبروا أن قمعهم وحملاتهم المسعورة وإعدام المغدور بعد اغتياله لم يؤت ثماره حتى الساعة. ومعاقبة المغدور تكون بتهجير عائلته من الدارة، وليس جمعهم الرافضين فعل الإغتيال وإقامة مجلس عزاء وآية من الذكر الحكيم. ومن ارتكب هذا الفعل المشين من التلاوة المباركة، تم الضغط عليه ليعتذر.

 

هم يريدون أن يبقى كلٌ على دينه. ولا أحد يعينه، وممنوع أن يلتقي بالآخر. فاللقاء يوجه رصاصة الرحمة الى وجودهم السياسي المقيت، والتي لا تشبه بشيء رصاص غدرهم وكواتم الأصوات التي يستخدمونها على أكثر من وجه وفي أكثر من صيغة.

 

هم لا يريدون لهذا التفصيل الهامشي قياساً إلى حروبهم الكونية، أن يفتح معركة حريات نأمل ألا تخمد نارها. كما نأمل أن يستفيق الغارقون في سباتهم ويلاحظوا أن أدوات التحريم والتكفير والتجريم وصلت الى رقابهم، لمجرد أن دارة لقمان تمكنت من تحدي عملية قمع الحريات.