لم يعد لقمان سليم إلى بيته، لأنه يطلب الكشف عن هوية من أوقف سيارته في الجنوب.
لعله تعرف إليه، إلى لكنته ربما، ولو أخفى وجهه…
لعله يتعرف على عجل، في حركات من اعترضوا طريقه، إلى الرشاقة التي يتقنها الرياضيون المحترفون في تمارين… الاغتيال.
قد تكون دقائق قليلة، سبق له أن وقع عليها، بل انتظرها أكثر من مرة، وتنبه إلى إمكان حدوثها، من دون أن يبدل وجهة سيره… مضى في دروبه بثقة المثقف الجذري، بالثقة التي لا تتوكل فقط بحاضر من يعيش معهم، بل بماضيهم القريب او البعيد، اي بمستقبلهم بالتالي. توكلَ بما هو مسؤولية يضطلع بها من دون تكلفة من احد. يتوكل بها لأنه يرى إلى حيث لا قدرة لغيره ان يرى بقدر ما يرى هو، وأن يطلع بقدر ما أتيح له أن يطلع.
لم يعد بعدُ، لأنه يتفحص وجه قاتله، من دون أن يستحصل بعد على شهادته في المقتلة.
لعله تأخر في الوصول إلى بيته العائلي، لأنه تمهل في قراءة تعليقات كثيرة كُتبت، منذ شهور وسنوات، عن اسباب اغتياله، بعد أن أخبرتْه بذلك “صديقته الشريرة”.
لعله يتمهل في إصلاح عربية المعلقين المنقادِين في طوابير الكلام، وهي طوابير الموت، ويحتاج إلى وقت مزيد لكي يضيف “الحركات” إلى كلماتهم العليلة…
قد يصل. قد لا يصل. إذ إنه -لو عاد- سيجد أنّ من عمل من اجلهم يلتقون به وإن لم يلتقوه. سيجد صورته ايقونة تلمع في بيوت كثيرين.
لعله لم يعد بعد، لانه يضحك ضحكته العامرة في وجه قاتله، ويدعوه الى لعبة نرد فوق طاولة الثقافة: هنا، الرصاصات فاسدة، وانتقالات الكلام بخفة الطيور في تحليقها الحر.
سيعود -لا محالة- من دون سيارته، من دون جراحه. سيعود إلى جسوم كثيرة، رافعاً نخب الحياة، فيما يقتاتون حلوى الموت بأسنان صفراء في أقبيتهم…
فمهما قيل، ومهما فعلوا، النبض قوي في هذا الجسد اللبناني المثخن بالموت…