IMLebanon

لُقمان سْليم وممحاة الرقيب

 

لم تصل رسالة الدم الى عائلة لقمان سليم المفجوعة فحسب، ولا الى رشا الأديبة الأرَقُّ من نسمة، بل توزّعت على نصف اللبنانيين على الأقل، وأحرار العالم العربي والاقليم حيث يلقى مَن يشبهون لقمان المصير نفسه.

 

عرف القاتل مقامَ لقمان فأوقفَ مسيرة مثقف استثنائي وصاحب فكر تنويري، قبل ان يكون ناشطاً يقرن القول والكلمة بالعمل السياسي وبتشكيل وعي انساني رفيع يعادي أشكال العنف والتمييز كلّها.

 

هي الحرية التي رسمت حياة لقمان سليم. آمن بها قيمةً مطلقة لكنّه عاشها بتفاصيلها اليومية. لاعَبَ الترهيب بازدراء، سائراً في شوارع المدينة أعزلَ إلا من إرادة صلبة، وجالساً بهدوءٍ صارخ في المقهى، ومنظماً لقاءاتٍ فكرية في بيئة غير متهاونة، و”مغرّداً” بمعدن المعرفة و”حَرفنَة” التعبير.

 

سقط الكاتب والباحث والناشط والمفكّر. لكن أول من اغتيل هو المواطن العادي الدمث المتواضع. يفتقده اللطف قبل ان تخسره السياسة، والحضور الانساني الوازن قبل الموقف المباشر والصريح.

 

عرفَ القاتل انّ لقمان صاحب تأثير. موقعه كان طبيعياً في ثورة 17 تشرين بخيمةٍ أُحرقت عن سابق تصوّر وتصميم. لم يؤلف حزباً ولا انخرط في تنظيم. لم يرث إلا الثقافة والايمان بلبنان الوطن والسيادة ودولة القانون والنزاهة. ثلّة من الاصدقاء كانت كافية لحفر الصخرة بإبرة التصميم. أما السلاح فكلامٌ في المقام وكتبٌ ومقالاتٌ و”دار الجديد” و”أمم للتوثيق”.

 

يذكّر اغتيال لقمان سليم بتصفية محمد شطح وسمير قصير. القاتل رقيبٌ متشدّد يمقت الحبر والنصّ التأسيسي. أداته في الحذف ممحاةٌ من رصاص أو عبوّة تفجير. لا ضرورة إذاً لمطالبة الدولة وأجهزتها بتحقيقٍ فالجريمة سياسيةٌ فكرية من العيار الثقيل. لتوفّر جهودها لكشف السرقات والجرائم العاطفية، ففيها فرصٌ لإنجازات من نوع اعتقال ناشطين مطالبين بلقمة العيش والتغيير. ولن يكون مصير التحقيق في اغتيال أمس أفضل من نصيب الاغتيالات كلّها المقيّدة ضد مجهول بعدما أُفرغت الملفات من أدنى دليل وأحيطت بتضليلٍ وتشكيكٍ منهجيّيْن. أما أخطر ما في هذه القناعة العامة فانقطاع الأمل لدى اللبنانيين بدولة قانونٍ تحمي المواطنين جميعاً ضامنةً الرأي الآخر والتنوّع السياسي.

 

ليطمئنّ المعنيون، وزراء وأجهزةً وقضاة. لا ننتظر منهم معلومةً او إشارة أو توقيفاً على ذمة تحقيق. هي البلاد كلّها رهينةٌ والاجهاز على بعض الرهائن من “شيم” الخاطفين و”تخاذُل” الحاكمين.