لا ضرورة لفتح تحقيق، ولا لرفع بصمات إن وُجدت على زجاج أو مسكة باب، ولا لتفحّص داتا الهاتف النقّال، ولا للتفتيش عن كاميرا منسية في نيحا أو محيطها، أو على مفرق العدّوسية، ولا للاستماع إلى شهود الليل والفجر. القتيل يعرف القاتل تمام المعرفة والقاتل وقح ويعرف أن اصبع القتيل سيشير إليه ويعرف كذلك أن الموت لا يميت الصدى.
القتيل هو لقمَن. كتب اسمه بهذه الطريقة على ورقة الإتهام المسبق، كما كتب سيرته وموته. لقمَن هو ابن الغبيري ـ حارة حريك قبل تغيير هويتها وبعد. هو ابن المحامي اللامع والنائب السابق محسن سليم وسلمى مرشاق وشقيق رشا الأمير والمحامي هادي سليم، هو الناشط والمثقّف والباحث وعاشق اللغة مالك مفاتيحها. لقمَن هو في طليعة كاسري المحرّمات الطائفية والسياسية، في حياته العامة والخاصة. “القتيل” هو صديقي الذي اخترته قبل ثلاثين عاماً يوم قصدت “دار الجديد” لأسأله: من أنت؟ من أين جئت للمساهمة في نهضة بيروت الثقافية؟ وكانت الزيارة إلى مبنى “الأونيون” في الصنايع مطلع تسعينات القرن الماضي بداية تعارف بيننا ومنطلق حوار وتأسيس أخوّة، إن جاز التعبير.
سألت لقمَن ذات يوم، لمَ انتقلت من عين الرمانة إلى دارة العائلة في الغبيري ـ حارة حريك وأنت تعرف المخاطر وتلمسها في بيئة مؤيدة لـ”حزب الله”؟ فأجاب بما معناه: “لا أقبل إلّا أن أمارس نشاطي المدني والتغييري من هنا، من منطقتي” وكانت تراوده فكرة افتتاح دار سينما. “أوليست الضاحية الجنوبية جزءاً من لبنان؟” سأل.
يعرف لقمَـن قاتله تمام المعرفة. سبق للقاتل أن راقبه وهدّده وخوّنه وحرق خيمته في وسط بيروت واقتحم سور دارته. لم يخف. لم يتراجع. كأنّه سائر إلى موته المحتوم بشجاعة نادرة غير عابئ بخوف الأقربين على حياته.
لا ضرورة لاستكمال التحقيق في جرائم سابقة. فعندما لا يصل التحقيق في محاولة اغتيال مروان حمادة ومي شدياق وسمير جعجع إلى مكان، وعندما يعجز التحقيق اللبناني عن إيجاد خيط في اغتيال جبران تويني وسمير قصير ووليد عيدو ووسام عيد ووسام الحسن ومحمد شطح وجورج حاوي، وأنطوان غانم وبيار الجميّل…، وعندما يفشل التحقيق في الكشف عن هوية خاطفي جوزف صادر وفي تصفية رمزي عيراني وجو بجاني كل ذلك يعني أمراً واحداً: القاتل معروف ويكاد يعلن عن نفسه بنفسه من دون أن يحمّل التحقيق هذا العبء. وإن لم يفعل فجمهوره الوفي يتباهى بالأفعال الجرمية.