هل دخل لبنان مرحلة جديدة باغتيال الناشط الجريء لقمان سليم، قد تكون الاغتيالات أحدى معالمها أو مظاهرها؟ ما الهدف من موجة جديدة من الاغتيالات في وضع مقفل، وفي حالة انسداد كامل لأسباب موضوعية جلّها خارج عن إرادة اللاعبين المحليين، لا سيّما إذا كان الغرض تعديلاً في موقف، أو تغييراً في ميزان قوى؟
بداية، ليس اغتيال لقمان سليم من نوع الاغتيالات التي تتسبّب بالفتنة التي انبرى البعض إلى التحذير منها، في معرض التنبيه من الاتهامات التي أطلقت حول المسؤولية عن الجريمة. فلا هو زعيم سياسي، ولا وراءه حزب، أو لديه أتباع بالمعنى الجماهيري والشعبي والمناطقي، لا في الطائفة الشيعية التي ينتمي إليها، ولا في أي طائفة أخرى. والأهمّ أن من يشاركونه توجّهاته، ليسوا حملة سلاح.
هو ناشط تميّز بقدر عالٍ من الحرّية الشخصية في الثقافة وفي التفكير والكتابة وصناعة الرأي المستقل، حتّى عن الذين يتقاربون معه في الأفكار والأهداف. واستقلالية التفكير لديه هي التي قادت مواقفه ضدّ “حزب الله” ومصادرته القرار اللبناني لمصلحة الولي الفقيه. وهذه الاستقلالية كانت تشمل صلته بالأطراف التي سعت إلى نسج علاقة معه.
منذ مدّة، تشير التسريبات إلى إمكان عودة مسلسل الاغتيالات، والتي اعتبرها بعض السياسيين والزعماء مؤشّراً إلى وجوب أخذ الحيطة والحذر، فيما وجد البعض الآخر منهم أنّها للتهويل والتخويف. وتعاطى بعض المراجع المحلية والخارجية مع التسريبات عن إمكان عودة “داعش” إلى البلد، على أنّها مقدّمة لأعمال أمنية مقصودة، نظراً إلى معلومات بأنّ بعض عناصر التنظيم “هربوا” من أحد سجون النظام السوري. وبعض الأوساط استبعد تجدّد موجة الاغتيالات التي استهدفت القيادات والنواب والإعلاميين المنتمين أو القريبين إلى قوى 14 آذار، لأنّ الصراع السياسي انتقل إلى مرحلة جديدة، ولم تعد العداوات كما في السابق. هذا فضلاً عن أنّ خواء المشهد السياسي اللبناني قد لا يتطلّب العودة إلى إلغاء الخصوم بالقتل، نظراً إلى أنّ الكلفة السياسية قد تعطي مفعولاً عكسياً، في ظروف أكثر تعقيداً على الصعيدين المحلي والإقليمي.
سواء صدقت هذه النظرية أو تلك، بدا أنّ استهداف الناشطين لا يقلّ أهمّية عن استهداف السياسيين، باغتيال لقمان سليم. ومسلسل الاغتيالات الذي ضرب الناشطين في العراق لإجهاض انتفاضة شعبه وشبابه ربّما كان تفسيراً لاستهداف سليم في لبنان. فهو من الناشطين في إطار ثورة 17 تشرين، وشكّل رمزاً من رموز وأصوات مجموعات معترضة على الواقع القائم داخل الطائفة الشيعية، المعقودة اللواء منذ سنوات لـ”حزب الله” وحركة “أمل”. وهذه المجموعات توسّعت دوائرها مع انطلاقة انتفاضة 17 تشرين ضدّ الواقع القائم وما كان محرّمات. ومثل طوائف أخرى شهدت اعتراضاً غير متوقّع ضدّ قياداتها لأنّ سياساتها أنتجت التردّي المعيشي، لم تخرج الطائفة الشيعية عن هذه القاعدة بالرغم من رهبة السلاح، لكنّ اغتيال سليم خروج عن القاعدة، لأنّه الأول من الطائفة، الذي يجري شطبه في إطار الصراع السياسي. الاغتيال إذاً رسالة لأقرانه، قد تنتج أيضاً مفعولاً عكسياً.
شاءت الصدف أن تتزامن الجريمة مع مرور 6 أشهر على تفجير المرفأ المأسوي في 4 آب الماضي، والذي يُفترض أن تأخذ التحقيقات حوله منحى جديداً، بعد كشف جريء للجهة السورية التي تقف وراء استيراد نيترات الأمونيوم. وفي الجريمتين، سيخوض اللبنانيون في الشارع وفي السياسة، تحدّي وقف الإفلات من العقاب.