IMLebanon

طويلة..

تؤشر التحضيرات الجارية لانعقاد مؤتمر جنيف السوري في وقت لاحق من الشهر الجاري، إلى جدية المحاولة الراهنة للدفع باتجاه حل سياسي.. لكن يمكن الزعم وبتواضع، بأن هذه النكبة لم تستنفد بعد كل وظائفها وفوائدها لا بالنسبة إلى الروس ولا إلى الأميركيين ومن خلفهم (أو أمامهم) الإسرائيليين.

وتوضيح البيان من أوله واجب شرعي: افتراض ابتعاد الحل الأخير، لا يعني افتراض التأخير في إجراءات دفن بقايا السلطة الأسدية، فذلك هو القاسم المشترك شبه الوحيد بين كل المعنيين الإقليميين والدوليين، وفي أولهم المدافعون راهناً عن تلك السلطة والضاغطون بقوة النار على معارضيها ومناوئيها وأعدائها.

وتتمة التوضيح تقول: إن جنيف-3 سيطلق مسار التحضير لنهاية حكم الأسد، لكنه لن يطلق مسار نهاية الحرب! إذ إن المعطى الأول تفرضه طبائع الأشياء السورية وبديهياتها. وهذه تفيد بأن جسم السلطة الأسدية تكسّر إلى حد لم تعد تنفع معه أي تصليحات! واستمراره في وضعية الواقف حتى الآن إنما يتم استناداً إلى عكازتين: واحدة إيرانية وثانية روسية! وإن هذه الوضعية غير الطبيعية لا يمكن مواصلة الأخذ بها طالما أن مردودها المفترض سيزداد سلبية، وأياً تكن الادعاءات الانتصارية المضادة.

ومثال صدقية ذلك، لا يبتعد عن مرمى النظر. بحيث إن طهران عوّضت على مدى السنوات الأربع الماضيات عن انهيارات أجهزة السلطة وخوائها، وبأكلاف كبيرة، لكنها وصلت إلى حد استنزافي قاتل دفعها دفعاً إلى طلب العون الروسي! وهذا العون بدوره محكوم من بدايته بعوائق ذاتية وموضوعية، حيث إنه يقتصر على سلاح الجو وبضعة «مستشارين» على الأرض، ويترافق مع تأزيم اقتصادي روسي كبير، وليس العكس. مثلما أنه، في أساسه وجملته، «خاضع» لتفاهمات مع الطرف الآخر، العربي والغربي، تضعه تحت سقف تسووي وليس العكس.

والحقيقة التي لا يخفيها أحد، هي تماماً ما قاله العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بالأمس القريب، من أن «الجميع» مقتنع بأن الأسد انتهى، لكن الخلاف على التوقيت: بين من يريد ذلك الآن، ومن يريده بعد 18 شهراً.. وبديهي الافتراض، أن العاهل الأردني يعرف تماماً ماذا يقول، ومعنى ما يقول.

لكن ما لا يبدو واضحاً وضوح ليزرية انتهاء السلطة الأسدية، هو الموعد المفترض لإعلان انتهاء الحرب.. وفي ذلك تصل التعقيدات والحسابات إلى السماء، لكنها تنطلق من «تبشير» مستر أوباما في خطابه الأخير أمام الكونغرس بأن المخاض الذي تمر به المنطقة والمعنون بـ»محاربة الإرهاب» سيأخذ مداه على مدى عقود آتية! كما تنطلق من كون الوضع السوري صار محل «ربط نزاع» على المستويين الإقليمي والدولي أكثر من كونه محل مواجهة مفتوحة على الحسم لطرف على حساب الآخر!

عدا عن ذلك، فإن مكاسب موسكو في سوريا عوضتها عن خسائرها السياسية والديبلوماسية والعقابية المتأتية عن النزاع في أوكرانيا وضم القرم. وطبيعي أن لا تستعجل في إحراق هذه الورقة (أم ماذا!؟). ومكاسب إسرائيل أكبر من أن تُحصى بسهولة من تلك الخريطة العربية والإسلامية المتشظية والمتفجرة، فلماذا تستعجل بدورها لدفع الأميركيين الى لعب دور الإطفائي الذي لا يريدونه أصلاً؟!

جنيف-3 سيطلق مسار تنظيم المرحلة التالية من النكبة السورية، لكنه لن يسدل الستار عليها. أما أبرز ضحايا المرحلة الراهنة، فهم بعد الشعب السوري، ليسوا سوى البطرانين بـ»تحرير» بلدة سلمى في ريف اللاذقية ومحاصري مضايا، من الأسد إلى رعاته الإيرانيين إلى ملحقاتهم.. في لبنان نفسه!