الآن وقد إنتهى التعطيل وبات للبنان رئيس للجمهورية كان من المفترَض أن يكون قبل سنتيْن ونصف السنة هي مُـدّة شغور كرسي الرئاسة من شاغلها، فإن هذا الوطن الذي أتعب نفسه كما أتعب الآخرين، يستحق أن يكون أمثولة في القدرة على التحمل.
ما قبل يوم الأحد 31 تشرين الأول 2016 حقبة باتت بكل ما حوته من مرارة وإحباط مثل الورقة الأخيرة من السنة في أوراق «الروزنامة» التي يُصار إلى تعليقها في المكاتب والبيوت. أما ما بعد هذا اليوم فإنه مرحلة الإختبار الحقيقي للجميع، إختبار الولاء للوطن والحرص على السيادة وبناء العلاقة المستقيمة مع الأشقاء والكف عن التحرش السياسي بأوضاع تخص الآخرين.
كان الجنرال ميشال عون يتمنى لو أنه نال ما سبق أن ناله الجنرالان السابقان، إميل لحود ثم ميشال سليمان حيث أن الأول نال 118 صوتاً من 118 عدد الحاضرين يوم إنتخابه (15 تشرين الأول 1998) خلفاً للرئيس الياس الهراوي، ونال الثاني أيضاً 118 صوتاً من 127 صوتاً عدد الحاضرين يوم إنتخابه، لكن هذا التفاوت في عدد الأصوات التي نالها الجنرال عون هو أنه يأتي إلى المنصب من عالم السياسة والحزبية، بعدما شغل سابقاً منصب قيادة الجيش بينما الجنرالان الآخران إنتقلا من موقعهما في وزارة الدفاع إلى كرسي رئاسة الجمهورية مباشرة. وربما من أجل ذلك ومعه إختيار النظام السوري لكليْهما والتأثير الذي لهذا النظام (الأسد الأب ثم الأسد الإبن) تًحقَّق للجنرال لحود وللجنرال سليمان ما يشبه الإجماع الذي لم يحصل عليه الجنرال عون للأسباب التي أوردناها.
وما كان من نعمة الله عليهما هو أن الجنرال لحود ترأس وهو في الثانية والستين من العمر وبذلك إستمتع بالرئاسة ولاية أُولى ثم بعض التمديد، وأن الجنرال سليمان ترأس وهو في الستين من العمر، وأما مُدشِّن صيغة الجنرال – الرئيس فؤاد شهاب فإنه ترأس وهو في السادسة والخمسين. وعندما يترأس الجنرال عون وهو في الرابعة والثمانين من العمر فهذا يعني أن ترؤسه في شيخوخة العمر هو تعويض له عن دور يرى أنه يستحقه وكاد يُحرم منه لو إستمر التعطيل على المنوال إياه. وهنا نرى أن ممارسات الجنرال عون منذ عودته من المنفى الفرنسي وبالذات بعد إطمئنانه إلى أنه بتحالفه مع «حزب الله» وتطبيع علاقته مع نظام الرئيس بشَّار الأسد وبناء علاقة مع النظام الإيراني كادت في بعض المواقف تتم على حساب العلاقة مع الدول العربية التي نأى عن زيارات معظمها، كانت ممارسات رئيس ينقصه التتويج الذي ناله متأخراً يوم 31 تشرين الأول 2016.
سيكون الرئيس ميشال عون في التاسعة والثمانين من العمر عندما تنتهي ولايته أطال الله عمره، ولا ندري إذا كانت هذه السنوات الست تكفي لتسديد ما عليه من إلتزامات وإتفاقات وتفاهمات فضلاً عن تصحيح مواقف.
أعانه الله وحفِظَ لبنان. والصبر الجميل لنا جميعاً ومعه الأمل والتفاؤُل بالخير والإستقرار والنأي عن التعاطي في أمور غيرنا علَّنا نجدها.
يبقى القول إننا إفتقدنا في اليوم الذي حدث فيه الممكن الذي بدا لسنتيْن ونصف السنة مستحيلاً، السفير الدكتور علي عواض عسيري الذي إذا نحن إستعرضنا حراكه على مدى السنوات الأربع الأخيرة، ومعها تصريحاته وتمنياته الأشبه بالأدعية وقبْلها تصريحات وتمنيات سلَفه نثراً وشعراً الدكتور عبد العزيز خوجه، ننتهي إلى إستنتاج بأن السفيريْن الصديقيْن للبنان الحادبيْن عليه وفقاً لرؤية القيادة السعودية وتوجيهات الملك سلمان إستكمالاً لتوجيهات أخيه الراحل الملك عبد الله، كانا مِن بين الذين مهدوا إلى وضْع قطار التسوية على أُهبة الإنطلاق… ولقد إنطلق. والله الهادي إلى سواء السبيل لمن يحتاج إلى الهداية وهم كُثر، والنأي عن الضغائن المتراكمة في نفوس كثيرين.