هل تتجه السياسة اللبنانية إلى مرحلة من التحالفات السياسية تطول لسنوات، بعد أن عاشت البلاد، تجربة ائتلافين متواجهين، أحدهما منظم بشكل جبهوي في العقد الأخير؟
نعم إذا ما استذكرنا أن مجلس العام ألفين وتسعة هذا كان أول مجلس ينتخب في يوم واحد بهذا الاصطفاف السياسي الواعي والشامل على طول المساحة، بين «الآذارين»، وان مفهوم «الاكثرية النيابية» الذي ولد بنتيجته انخسف في مدة قياسية، ليظهر محدودية اي انتصار انتخابي ما دامت معادلة السلاح لا تزال قائمة، بما في ذلك هشاشة التحالف الانتخابي في وجه معادلة السلاح قياساً على أثر هذا السلاح على بعثرة التحالف نفسه.
ولا يمكن الإسراع في دفن اي نكهة تحالفية طويلة الأمد، اذا ما وضعنا بحسابنا ان المشروع الفئوي المسلح الذي يقوده «حزب الله» ليس من النوع الذي يسهل للسياسة اللبنانية عودتها الى سياسة الأعيان والوجاهات ليس الا. صحيح أن الحزب المسلح لا يصعب عليه فرط اكثرية نيابية قامت لمواجهته، لكنه في الوقت نفسه يجبر المكونات السياسية والأهلية على عدم الذهاب بعيداً في عملية تفكيك التحالفات السياسية العريضة والطويلة.
الحزب يعطل السياسة كما المؤسسات، مقدار ما استطاع، لجهة عدم اتاحة المجال لايجاد معالجة مؤسسية او سياسية للمشكل معه. لكنه يحمي السياسة نفسها من «اللامعيارية» القصوى، من التشظي لعشرات المعادلات الصغرى بدل المعادلة الثنائية «الآذارية» الحالية، وفي الوقت نفسه، فان الحزب الذي اطاح بأكثرية العام الفين، أو سرع انفجار تناقضاتها الداخلية، او استفاد من هذا الانفجار فحسب، لا مصلحة لديه في اقامة اي اكثرية نيابية في الوقت الحالي، من اي نوع، بل لا مصلحة لديه الا في ابقاء الواقع على ما هو عليه الآن، تحنيطه.
ليس صحيحاً ان هناك تحالفات سياسية في كل شيء الا الانتخابات. التحالفات السياسية انتخابية تكون في الدرجة الاولى. هذا يعني ان الاختلاف على قانون الانتخاب والتمديد للمجلس وشغور رئاسة الجمهورية ثلاثة وجوه تقلل الى حد كبير من التحالفات السياسية المزمنة.
التحالف السياسي لا بد وان يرتبط بتحالف انتخابي، لكن العكس ليس صحيحاً. للتحالف السياسي معاييره أيضاً: الاتفاق على الهدف، وعلى الوسيلة لبلوغ الهدف، وعلى حرية نقد الحليف.
التحالف السيادي الذي قام لإخراج جيش الوصاية ثم لمواجهة مشروع «حزب الله» لم يعد يجد امتداده الطبيعي في التحالف الانتخابي، ولم يعد الاتفاق على الهدف ووسيلته متاحاً. في الوقت نفسه، فإن امتناع قيام تحالف سياسي بديل، وبقاء مشكلة سلاح الحزب حتى لو كانت لا تطرح إعلامياً ليل نهار اليوم، يجعل من الأنسب التروي قبل القول بأن التحالفات الطويلة الأمد انتهت. هذه التحالفات لا تزال معطى متواصلاً إنما بشكل متقطع!