IMLebanon

حرب استنزاف طويلة…

 

معركة جرد بريتال نحلة التي انتهت بسقوط عشرة مقاتلين وربما أكثر، بداية وليست نهاية. بعد هذه المعركة ليس كما قبلها. تغيرت قواعد الحرب في القلمون. حزب الله، في موقع الدفاع، والآخرون من الجيش الحر والنصرة وداعش، يهاجمون. قد تكون حاجة هذه المجموعات إلى الغذاء قبل الشتاء وحلول «الجنرال ثلج» فعلية وضرورية، وقد تكون أيضاً مسألة فتح ممر إلى الزبداني لتخفيف العزلة ومفاعيل البرد القارس في الجرد حقيقية. لكن أيضاً هذا الهجوم وما بعده، يضع قوات الحزب في موقع الدفاع في مناطق معزولة خاضعة لعوامل الطبيعة القاسية. سلسلة المعارك المتواصلة والقادمة منها، مكلفة جداً للطرفين. هذه هي النتيجة الأولى لحروب الاستنزاف. ما يجري في الجُرد هو «حرب استنزاف»، قواعدها معروفة ونتائجها محسوبة.

حروب الاستنزاف، هدفها «إضعاف العدو ودفعه إلى الانهيار بسبب تكاثر الخسائر البشرية وتواصلها». حزب الله أعلن من قبل انتصاره من القصير إلى بريتال، وركز مشاركته في الحرب على الانتشار حيث يكون الجيش الميلشيا السوري ضعيفاً. نجح في سد الثغرات العسكرية في الداخل. معركة الجرد أيقظته من أوهام الانتصار. يعرف الحزب أكثر من غيره أنه لا يمكن الانتصار على شعب أو جزء منه، في تدمير قراه وإجبار السكان على النزوح إلى عرسال. النازحون، بكل ما يعانونه بعيداً عن انتماءاتهم «معمل» لا يتوقف لإنتاج الحقد والضغينة والالتزام بالثأر. الرائد حربا الذي قتل في المعركة الثانية في الجُرد من أبناء القصير الذين لا يسامحون، وهو ليس من النصرة ولا من داعش، مثله في ذلك مثل أبناء القصير الذين اقتلعوا وهجروا من بلدتهم قبل أن تعرف الساحة السورية «داعش».

حزب الله اقام «خط ماجينو»، في الجُرد. سلسلة مهمة من المواقع الثابتة. خطورة هذا الخط أنه يشكل هدفاً مكشوفاً للمهاجمين. صعوبة ومخاطر البقاء في الغرف العسكرية التي بنيت وظهرت في الأفلام التي وزعت أنها تتطلب تبديلات دائمة من المقاتلين إضافة إلى الخسائر.

أعمار المقاتلين الذين سقطوا في الجُرد، من السبعة عشر عاماً إلى العشرين، أي أنهم بالكاد أجروا دورة عسكرية وفي أفضل الحالات دورة ثانية لبعضهم. المشكلة المستفادة أن المخزون البشري للحزب مهما كان، محدوداً لأن عدد الشيعة في لبنان محدود جداً. والأهم أن الخسائر إذا استمرت بمثل هذه الوتيرة أو أكثر، ستدفع «الحاضنة» الشيعية والشعبية للتساؤل إلى متى هذه الحرب؟ الخوف من «داعش» قد يشكل دفاعاً يخفف ردود الفعل، لكن إذا لم يكن ممكناً الوعد بالنصر المحتوم، فإن دماء الضحايا تُغرق في النهاية الاحتضان الشعبي. في مصر، شنّ جمال عبدالناصر حرب الاستنزاف على الإسرائيليين التي استمرت ألف يوم. قوة الصمود والاندفاع عند الجيش المصري تصاعدت رغم الخسائر الفادحة، لأن الجيش كان يستعد لعبور خط بارليف وتحرير سيناء وقد حصل ذلك، الآن ماذا يستطيع السيد حسن نصرالله أن يعد الشيعة في لبنان للاستمرار في حرب الاستنزاف التي أفقها مفتوح على سقوط الأسد؟

إيران التي تجاهد للمحافظة على المربع الأخير في سوريا، تعلن كما قال عبد الأمير اللهيان «أن إيران ليست ملتزمة ببقاء الأسد إلى الأبد» اذاً مسألة التغيير مأخوذة بحسابات طهران، فما هي حسابات السيد حسن نصرالله أمام ذلك؟

داعش خطر عالمي يجب القضاء عليه واقتلاع نهجه كله. لكن أيضاً يجب على الآخرين وتحديداً إيران والحزب ان يعيدوا للسوريين ما لهم، وهو حقهم بالحرية والكرامة والديموقراطية. لكن يبدو حتى الآن ان المرشد آية الله علي خامنئي ليس مهتماً الا بتحقيق الانتصار والمحافظة على نظام الاسد مهما بلغت كلفة الحرب. المعلومات التي سربت من سوريا مؤخراً، عن وصول 2000 جندي ايراني من «الحرس الثوري» الى الجبهة في سوريا بداية لتدخل مستمر وتزايد وهو مؤشر الى:

* انخراط ايراني مباشر، بعد ان قاتلت ثلاث سنوات بدماء ولحم اللبنانيين والعراقيين، وقد يشكل ذلك تحولاً خطيراً ودموياً في الحرب خصوصاً بعد التهديدات الايرانية لتركيا من التدخل المباشر، وكأن الايرانيين الخمسة الذين شيعوا وقبلهم العديد من القادة تكفي «شيعيتهم» ليكونوا سوريين.

* ان الحزب بدأ يشعر بالتعب من أخطار حرب الاستنزاف، لذلك اصبح بحاجة لدعم ايراني بالرجال ليأخذوا مكانه في الجبهات السورية الداخلية، لتوجيه مقاتليه المجربين الى السلسلة الشرقية الممتدة من عرسال الى بريتال.

قبل انسحاب اسرائيل من الجنوب في 25 ايار 2000 قام اسحاق رابين بجولة على الجبهة الشمالية في موقع متقدم من لبنان. سأل ضابطاً عن الحرب فأجابه: كيف نستمر في الحرب وفي مواجهتنا رجال يعتبرون الموت شهادة؟

اليوم ماذا سيفعل المقاتلون من الحزب وهم يواجهون مقاتلين (سواء كانوا من الجيش الحر او داعش) يعتبرون أيضاً الموت شهادة؟