يبدو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان متأثراً بأنّ أول اتصال خارجي تلقاه دعماً له وتنديداً بالانقلاب (قبل أن يتحدد مصيره ما إذا كان فاشلاً أو ناجحاً) كان من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ثم تسارعت التطورات التركية على الجبهتين الداخلية والخارجية… فكان سقوط الانقلابيين الذين أفشلهم الشعب بأن تحداهم في الشارع… وكان توجيه الحكم التركي التهم المباشرة الى واشنطن بأنها تحتضن «فتح الله غولن» الذي يتهمه أردوغان بأنه «العقل المدبّر» للانقلاب، إلاّ أنّ الإدارة الاميركية دافعت عن غولن مباشرة ومداورة، فقالت إنها لا تملك أي معلومات عن دوره في الانقلاب، وأضافت إنّ سيرته حسنة، وعندما زوّدتها أنقرة بما اعتبره التركي «وثائق دامغة» بقي الموقف الاميركي عند عدم تسليم الرجل الى خصومه.
بين الموقفين الاميركي والروسي وجد أردوغان نفسه منقاداً الى «تفاهم عريض» مع موسكو ظهرت بوادره الفعلية أمس في مدينة سان بطرسبرغ في القمة الثنائية، التي استبقها بوتين بقمة باكو التي ضمته والرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني والرئيس الاذربيجاني إلهام علييف.
وسبق القمة الثنائية شبه يأس تركي ليس من الاميركي وحسب، بل أيضاً من المجموعة الأوروبية التي تضع الشروط التعجيزية في وجه تركيا فتحول دون تحقيق رغبة مزمنة لديها في أن تكون «جزءًا طبيعياً» من أوروبا، وهي التي تتربّع على قارتين: قسم تركي في آسيا والقسم الثاني من الاراضي التركية في أوروبا، ولكن، مضى، حتى الآن، نحو أربعة عقود والوعد الاوروبي بالكمّون.
ويبدو أنّ أردوغان أراد أن يقول للغرب بشقّيه الاوروبي والاميركي، خصوصاً لزعامته الاميركية: إذا كنتم تقفلون الطرق في وجهي فإنني أجد الطريق مفتوحاً والأبواب مشرعة في أوروبا الشرقية وبالذات في روسيا زعيمة القطب العالمي الآخر.
أي كأني بأردوغان يقول لباراك أوباما: لا تلعبوها معي، فالخيارات مفتوحة أمامي.
وطبيعي أنّ بوتين يرحّب بهذه الانعطافة التركية وأخذ يلوّح بإنشاء أنبوب الغاز الجديد داخل الاراضي التركية… وأدى ذلك الى «انتفاضة» في الاتحاد الاوروبي الذي شدّد على ضرورة تقيّد موسكو بالتزاماتها القانونية مع الاتحاد في هذا المجال.
وفي كانون الاول الماضي تخلّت روسيا عن خططها لإنشاء أنبوب غاز يمر عبر البحر الاسود الى بلغاريا بتكلفة 40 مليار دولار، حاملاً 63 مليار متر مكعب من الغاز الى أوروبا، وذلك بعد اعتراض الاتحاد الاوروبي على المشروع، معتبراً أنّ من شأنه زيادة السيطرة الروسية على إمدادات الغاز الاوروبية.
في المقابل، أعلن مصدر الغاز الروسي، شركة «غازبروم»، في كانون الثاني الماضي اعتزام موسكو إنشاء أنبوب غاز في أعماق البحر، ينقل نفس الكمية التي كانت ستنقل في المشروع السابق، الى منفذ لم يتم بناؤه بعد على الحدود التركية اليونانية، في نهاية عام 2016، وفق ما ذكرت وكالة رويترز.
وقال رئيس هيئة الطاقة في المفوضية الاوروبية، ماروس سيفكوفيك «عندما نتحدث عن إمدادات كبيرة للعملاء الاوروبيين، لا يمكن أن تتخذ مثل هذه القرارات المهمة من دون الرجوع إليهم، أو من دون إجراء مشاورات مع الاتحاد الاوروبي».
كما أعرب المسؤول الاوروبي عن قلقه من أن يؤدي المشروع الجديد الى تغيير المسار الحالي لنقل الغاز، الذي يمر عبر الاراضي الاوكرانية، لصالح الطريق التركي المقترح.
وفي تقديرنا أخيراً أنّ هذه البلبلة وما يترتب عليها بالضرورة من تأثير على مجرى الأحداث في سوريا، ما كان لها أن تمر لو كان في البيت الابيض رئيس صاحب قرار وحسم.