مسؤول سيادي كبير في دولة الامارات يتولى وزارة حساسة، كان يعمل على مشروع بالغ الاهمية، وكان مهتماً بتنفيذه على اعلى درجة من الدقة. ويفاجأ بعض كبار الخبراء الاجانب المسؤول الاماراتي، مثل هذه الشخصية السيادية، يناقشهم في صلب اختصاصهم ويقبل او يرفض او يعدل مشاريعهم المقترحة، مع ان بعض الخبراء كان يظن انه يكفي ان يعرض افكاره النيرة حتى يتم قبولها، ويمشي الحال! ولهذا السبب لم يوافق هذا المسؤول السيادي على العديد من المشاريع التي عرضها خبراء اجانب كبار عليه. وكان آخرهم خبير قيل لهذا المسؤول الكبير انه خبير فرنسي. وبعد مناقشة مستفيضة اقتنع الرجل السيادي بوجهة نظر هذا الخبير بل واعجب بها. وفي نهاية اللقاء سأل المسؤول هذا الخبير: ذكرني، ما هو اسمك؟ وعندما سمع الاسم قال له: لا يوحي اسمك بأنك فرنسي، هل انت لبناني تحمل الجنسية الفرنسية؟ اجابه الخبير: نعم! وعندها تنهد المسؤول الكبير متحسراً وقال: يا اخي، لماذا لا تعودون انتم اصحاب الادمغة الى بلدكم وتنقذونه مما هو فيه؟ واجابه الخبير الفرنسي اللبناني الاصل: لو كان عندنا في لبنان حكام مثل الحكام عندكم في الامارات لما كنا هاجرنا اصلاً!
زوار ابوظبي حتى من الدول الكبرى والمتقدمة، يصابون بالذهول مما يرونه في هذه المدينة وفي الامارة والدولة عموماً، ليس من ناحية انجازاتها الحضارية المتقدمة فقط وانما ايضاً من ناحية العقول الخلاقة التي تدير الدولة. اما زوار ابوظبي من اللبنانيين اليوم فيشبهون ابناء الصعيد الذين كانوا يزورون القاهرة للمرة الاولى في الافلام السينمائية المصرية القديمة! ما يجري اليوم في ابوظبي والامارات يكاد لا يصدق… مرت الدولة حتى الآن بمرحلتين: تأسيس الدولة الاتحادية مع الشيخ زايد واخوانه. والمرحلة الثانية المستمرة حتى الان هو ترسيخ اساسات الدولة، وتوسيع آفاقها، وتزخيم عطاءاتها في الداخل وحضورها على المستوى الدولي، وهو ما اتفق على تسميته ب مرحلة التمكين. والامارات مثل شقيقاتها في الخليج لا تزال تعتمد في مواردها على النفط بصفة رئيسية. وليس في الافق ما يشير الى قرب نضوب منابع النفط في الامارات قبل غيرها، اقله في مهلة تتجاوز نصف القرن! وكان ولي عهد ابوظبي الشيخ محمد بن زايد واضحاً وصريحاً ومباشراً في دعوة الدولة والمجتمع الى وضع الخطط الاستراتيجية بعيدة المدى، والبدء منذ اليوم بالتأسيس لاقتصاد قوي بعد نضوب النفط، يقود الى انتاج ازدهار يماثل زمن النفط او حتى يفوقه! وهذا ما عبر عنه الشيخ محمد بالدعوة الى اقامة حفل وداع لآخر برميل بل لآخر قطرة نفط، من آخر بئر في البلاد!
ليس هذا سوى جزء من الصورة، ولا تكتمل الا بالكشف عن سر ذلك الرجل الذي يخفي ثروة غير ناضبة على مر الزمان من الافكار الخلاقة والمبدعة وهو الشيخ محمد بن راشد. وقد اطلق في زمن قصير جداً ثورة ثقافية حقيقية تحت عنوان حملة الابتكار في نظام لا يحب كلمة ثورة!، واطلق دينامية عامة في المجتمع في زمن قياسي. وهذه الثورة الثقافية توجه فعالية الناس نحو ما يفيدهم، وتكون هي القاطرة الحقيقية التي تنقل البلاد من محطة التمكين الى محطة اقتصاد ما بعد النفط! وعندما تنصرف اذهان الناس الى ابتكار ما يفيدهم، لا يبقى لديهم اي وقت للتفكير بالخزعبلات التي تشغل بال داعش!
هذا في دولة الامارات العربية المتحدة حيث يخططون لمستقبل خمسين سنة مقبلة… اما في لبنان فان الكلمة السحرية للتخطيط للمستقبل فهي التمديد: للسلطة التشريعية والنواب، وللسلطة التنفيذية والحكومة، ولقيادات الفئة الاولى و… للمطامر والنفايات!