Site icon IMLebanon

جمهورية تبحث عن رئيس يقودها الى الاستقرار

 

جهات عربية ودولية تشيد باستمرار التباينات في المواقف والآراء

جمهورية تبحث عن رئيس يقودها الى الاستقرار

والحوار شاهد حي على استمرار التنوع السياسي في لبنان

الجمهورية هي الآن في محنة. والسياسيون في أزمة أيضاً. والتطورات المتتابعة، لا توحي بانتخاب رئيس جمهورية قبل عدة أشهر، خصوصاً بعد انعقاد ٢٢ جلسة نيابية لم يكتمل فيها النصاب القانوني.

ويعود السبب الى اتساع المساحة بين القوى السياسية، واستمرار تكتل التغيير وحزب الله في الاحتجاب عن النزول الى البرلمان، ما لم يتم التوافق مسبقاً على اختيار الرئيس العماد ميشال عون.

الا ان الاتفاق بين الدول الخمس الكبرى بزعامة الولايات المتحدة وألمانيا معادلة ٥١ خلق غموضاً مشوباً بالقلق حتى حزيران المقبل، للتفاهم نهائياً على مصير المنطقة، أو بلوغ مرحلة الانفصام وانهيار الآمال بتفاهم دولي، قد ينعكس ايجاباً على مصير الجمهورية.

في الاسبوع الفائت حدثت تطورات انعكست سلباً على التفاهمات وعلى الخلافات، أبرزها صدور حملة سياية على السعودية، قادها الأمين العام ل حزب الله، ورد فعل قاسٍ من زعيم تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري في عز الحوار الدائر في عين التينة مقر الرئاسة الثانية برعاية الرئيس نبيه بري، وحضور وجوه بارزة في المستقبل ابرزها وزير الداخلية نهاد المشنوق والوزير السابق النائب سمير الجسر، وأركان معروفة في حزب الله كالحاج حسين خليل والوزير حسين الحاج حسن، ووزير المالية علي حسن خليل نيابة عن رئيس المجلس النيابي.

والذي رشج من اخبار، ان الافرقاء الثلاثة، قرروا المضي في الحوار، على رغم الخلاف حول عدد من القضايا الحساسة.

الا ان رئيس تكتل المستقبل زار الصرح البطريرك الماروني في بكرمي، وعرض موضوع رئاسة الجمهورية، ونقل عنه قوله ان العماد عون لا أمل له بالوصول الى بعبدا، لقيادة مسيرة الجمهورية العتيدة، وانه طرح اسم الوزير السابق جان عبيد كمرشح ثالث للرئاسة الأولى، يحسم موضوع الخيار الدقيق بين العماد عون ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع.

بيد أن الحوار بين التيار العوني والحزب القواتي قطع ٨٠% من التفاهم على تحديد أسس الجمهورية، لا على اسم رئيس الجمهورية.

ويقال ان الجنرال لا يطلب تأييد الحكيم ويكتفي بعدم معارضة الدكتور جعجع له، وان الأهم من المبايعة عدم وجود صراع على سلامة الجمهورية، بين أكبر قوتين سياسيتين في الصف المسيحي.

هل يحدث هذا الاتفاق، ولا تحدث المبايعة؟

الجواب صعب، وهذا ما يحدو بالسياسيين الى التريث في الأحكام وابداء الآراء. لقد انشغل السياسيون خلال الايام العشرة الاخيرة، بأحداث تاريخية أشهرها مئوية الابادة العثمانية للقوى الأرمنية، وبين بيروت ويرفان عاصمة ارمينيا، أكد الشعب الارمني، سواء الذي ذهب منهم الى ارمينيا المستقلة، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، حيث كانت احدى جمهورياته، وصمود الارمن الذين لجأوا الى لبنان في العام ١٩١٥ في لبنانيتهم، وأثبتوا تعلقهم بلبنان كوطن، وأضحى لهم نواب في المجلس النيابي ووزراء في الحكومة، وصاروا من طبيعة الحياة السياسية اللبنانية.

هل يكون الحوار غداً، على من هو الرجل الثالث المطروح لقيادة لبنان؟

لا شك ان الوزير السابق جان عبيد يتمتع بخصوصيات تجعل اسمه مطروحاً بقوة. فهو اختير نائباً في مطلع التسعينات، ليملأ المقعد الشاغر في الشوف مكان الرئيس المشهود له بالقوة السياسية كميل شمعون، وانتخب نائباً عن طرابلس. وكان من ابرز الوزراء حنكة وقوة ابان ترؤس العماد اميل لحود للجمهورية وترؤس الرئيس الشهيد رفيق الحريري للحكومة، ويكن له رئيس البرلمان نبيه بري تقديراً لم يمنحه لسواه.

هل يفتح طرح اسمه على لسان رئيس تكتل المستقبل الباب الذي بقي مقفلاً حتى الآن، لأن الرجل ظل منذ مدة بعيداً من الاضواء وحريصاً على ان تهبط الرئاسة الأولى عليه، في الوقت المناسب وفي الظرف المناسب.

يجيب مرجع سياسي كبير، ان الرجل عرف بحذاقته ككاتب وكصحافي وبمبادراته يوم تشح المبادرات، ولعله استطاع ان يكون رئيساً لتحرير صحيفة البعث العراقي، وهو لا ينتمي الى حزب البعث، ومحترماً من الرئيس بشار الاسد الذي قاد الانشطار بين البعث العراقي بقيادة ميشال عفلق والبعث السوري الذي كان حافظ الاسد واجهته الأولى.

وبعد ذلك، فقد كان لبنانياً قوياً، وصلباً في مواقفه المستقلة، خصوصاً في اثناء الصراع الأميركي والسوري على السياسة الشرق أوسطية.

طبعاً، لا احد ينسى متانة العلاقة التي كانت بين الرئيس سليمان فرنجيه والاستاد جان عبيد، ولا رعايته للمؤسسة العسكرية لأن عمه، أي والد زوجته السيدة لبنى، هو قائد الجيش العماد اميل البستاني.

ولا احد ينسى ايضا دوره كمستشار سياسي للرئيس امين الجميل الذي اوفده عشية انتخابه رئيسا للجمهورية الي اهدن، لابلاغ الرئيس فرنجيه انه سيمد يده للمصافحة، في خطابه، آملاً بمصافحة مماثلة.

باختصار، يقول المرجع السياسي، ان الاستاذ جان عبيد مؤهل ليكون رئيساً للحوار، وقائداً سياسياً للمتحاورين، من اجل انقاذ الجمهورية من الاخطار المحدقة بها، بشخصيته القوية وبمواقفه الصلبة في السياسة اللبنانية.

والحوار الآن يمر في مأزق، حتى داخل الصف الواحد، ولا سيما بعد الحملة العنيفة التي شنها النائب محمد كبارة على وزير الداخلية نهاد المشنوق، والذي اضطر الرئيس فؤاد السنيورة الى التدخل والاعلان ان المشنوق هو من يمثل تكتل المستقبل في الحكومة.

والانظار كلها متوجهة الى الرئيس سعد الحريري، ليحدد مواقفه من المعارك المقبلة، بعد عودته من الولايات المتحدة.

ولهذه الرحلات الأميركية وقع خاص. ولا احد ينسى ما حل به، عندما كان على أبواب البيت الأبيض الأميركي، وقبل أن يصل الى بيروت، فوجئ ب الانقلاب السياسي عليه، وبروز الرئيس نجيب ميقاتي على رأس حكومة جديدة، أطاحت بمعظم الانتصارات السياسية ل تيار المستقبل.

هل يعود الرئيس الحريري من واشنطن هذه المرة، وفي جيبه اسم الرئيس المحتمل لرئاسة الجمهورية؟

هل يعود وفي ذهنه قرار واضح بشأن الصراع الدائر أو الخافت، داخل تيار المستقبل حول ما جرى ويجري في طرابلس، وهي تمر في مخاض عسير وصعب يحدد التوجه المطلوب للمرحلة الآتية، بعد تهديد الرئيس بري، باقتراح حل البرلمان الذي مدد لنفسه مرتين.

وفي المعلومات ان الرئيس الحريري عائد وفي ذهنه خطة تقود الى موقفه الحاسم ممن سيكون رئيساً للجمهورية، لأنه مقبل على خيارات جديدة، خصوصاً بعد بروز ميول الى التعاون مع التوجه الذي يقوده العماد ميشال سليمان، بعد خروجه من رئاسة الجمهورية.

والسياسة في طرابلس صعبة المسالك والمنابع والروافد وإن كانت العاصمة الثانية هي الأولى في مواكبة تحركاته بعد ثبوت قوة حزب الله في بيروت.

وما قرره قبل ثلاث سنوات يختلف الآن، خصوصاً بعد اختياره لرئيس بلدية طرابلس نادر الغزال الذي يتجه بدوره الى الاستقالة من رئاسة المجلس البلدي، واتخاذه مواقف لا تنسجم مع قرارات تيار المستقبل في بعض التوجهات الدينية ولا تنسجم كلياً مع الخط الاعتدالي احياناً.

ولعل خسارة الخيارات المتلاحقة في الحلفاء وفي اختيار رئيسي بلديتي طرابلس والميناء يدفعه الى التريث بعمق في القرارات.

طبعاً، لقد تغيرت السياسة والمقاييس السياسية وما كان يجري في حقبة الستينات لا يصح في حقبة الألف الثالث.

ففي العام ١٩٦٣، تعاون الرئيس الشهيد رشيد كرامي مع احد ابرز معارضيه وهو الدكتور عبدالله البيسار، ورحب به قائداً للمعركة، لكنه لم يقطع له، أو لأحد من الاعضاء بمن سيكون رئيس المجلس البلدي، وبعد فوز اللائحة بأكملها انتخب السيد عبد الحميد عويضة رئيساً، الأمر الذي جعل الدكتور بيسار يشعر بخيبة أمل شديدة، على الرغم من وجود وجوه معارضة.

والمفاجأة الثانية تمثلت بما حدث في ميناء طرابلس، حيث أيد الكراميون لائحة تضم وجوهاً معروفة برئاسة شخصية حقوقية وسياسية هي الاستاذ احمد غازي.

الا ان نتائج الانتخابات كانت لصالح وجوه بارزة في الحقل العام، خاضت الانتخابات متعاونة فردياً، لا في لائحة واحدة.

وكان من ابرز الفائزين الاستاذ احمد ممتاز كبارة، وهو مستقل، وعدد من الوجوه المتعاطفة أو المنضوية في حركة القوميين العرب كالاستاذ نهاد الزيلع وعبد الرحمن هاجر والاستاذ ناصر الصالح الذي اصبح يمثل لاحقاً منصباً دينياً رفيعاً، والاستاذ عبدالله قطره القيادي في الحزب الشيوعي والسيد شحاده البرجي الحداد والسيد جميل عصافيري.

وانتخب المجلس الجديد احمد ممتاز كبارة رئيساً، وكان من انجح رؤساء البلديات في لبنان مع الاستاذ نهاد نوفل رئيس بلدية ذوق مكايل الذي لا يزال في رئاسة البلدية منذ نصف قرن على التوالي.

ومن ابرز الوجوه التي وصلت الى رئاسة بلدية الميناء السيد عبد القادر علم الدين.

في حقبة الستينات، كان نجوم حركة القوميين العرب يترددون الى الميناء، ويلتقون في مقهى شعبي وابرزهم الاستاذ محسن ابراهيم والوجوه اللامعة في اليمن الجنوبي، والتي اخذت بعد الاستقلال عن بريطانيا تحتل المواقع القيادية في عدن.

كان على بريطانيا ان تخرج من عدن، وكان عليها ان تترك السلطة في يد كبير وزراء عدن المتعاون معها السيد عبد القوي مكاوي، لكنها فضلت ترك السلطة لرموز القومية العربية واصبح علي ناصر محمد اول رئيس جمهورية لليمن الجنوبية، الا ان الصراع شق طريقه الى الماركسيين في عدن، فوقع انقلاب اطاح بالرئيس علي ناصر محمد، الى أن اصبحت السلطة فيما بعد بيد علي صالح البيض الملقب ب بريجنيف عدن بسبب افكاره الماركسية.

الا ان اليمن في تلك الحقبة، كانت موزعة بين الشمال والجنوب، لكن الرئيس اليمني الشمالي علي عبدالله صالح اطاح بدوره بنائبه في عدن ووحد بين صنعاء وعدن تحت قيادته تحت اسم جمهورية اليمن.

واذا استطاع الماركسيون والمستقلون قيادة اليمن، بدعم من القبائل ذات السطوة على الاحزاب، فان الحوثيين وصالح يقودون الانقلاب على الرئيس عبد الهادي.

راجت في الأسابيع الأخيرة، أفكار تدعو الى الاعتدال والى مكافحة التطرّف، ولا سيما بعد ضمور دور العقائد وتمدّد أدوار المنظمات، خصوصا بعد شيوع أفكار داعش والنصرة منذ العام ٢٠٠١، أي بعد الهجوم على واشنطن بالطائرة التي استولى عليها شباب متطرفون، هاجموا أعلى ناطحتي سحب في نيويورك.

إلاّ أن بدء الحرب الداخلية في سوريا، بين الحكم والمعارضة، والموقف الأميركي المترجرج بين واشنطن وباريس خصوصا ونظام الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد، جعل موازين القوى تتغيّر، ولا سيما بعد جنوح النظام السوري ساعة الى جانب منظمات ارهابية، وأحيانا ضدها، ما جعل الأزمات تتبدّل خلال السنوات الأربع الماضية.

وشهدت حقبة الثمانينات، أفكارا معادية للرئيس أمين الجميّل، ومتعاطفة مع بشار الأسد، وتعاظما للدور الاسرائيلي.

وبدا ان لبنان مقبل على ظروف اقليمية ودولية جديدة جعلت منه الساحة الوحيدة لكل الحروب.

في أيلول ٢٠٠٢، نشأت في لبنان، حركات داخلية من القوى اليمينية، راحت تفرض نفسها على الساحة السياسية، وتشمل خصوصا الكتائب بزعامة الشيخ أمين الجميّل والقوات اللبنانية، بقيادة فؤاد مالك.

وهذه القوى نشأت في العام ١٩٧٦، عندما قاد ١٦ ضابطا مسيحيا حركة متعاطفة مع البلاغ رقم واحد، الذي أذاعه العميد أول عزيز الأحدب، تحت ستار المواجهة للمعارضة داخل الجيش بقيادة العقيد أنطوان بركات المناوئ لحركة الملازم أحمد الخطيب أولاً، وللعميد أول الأحدب صاحب البلاغ رقم واحد.

وبين العامين ١٩٧٥ و٢٠٠٢، برزت أفكار وقيادات جديدة على وجه الخصوص لدى حزب الكتائب حتى ان الرئيس الشيخ أمين الجميّل، قال ان الكتائب أصبحت أقرب الى خصومها منها الى نفسها، وانها وحزب البعث والحزب القومي السوري في الصف نفسه، وارتفع شعار الزوبعة في باحة بكفيا، تدليلاً على ان لبنان كله، هو مع سوريا، في مواجهة الضغوط الأميركية التي تتعرض، وتحديدا مشروع القانون المنوي طرحه على الكونغرس الأميركي، مشروع قانون محاسبة سوريا.

وكان هناك أيضا القوميون والبعثيون والاشتراكيون وسائر أفراد الطبقة السياسية التي أنتجها زمن الطائف، أو الانقلاب على الطائف، وقد احتشدوا في فندق ألكسندر في الأشرفية، في ما يشبه اعلان التعبئة العامة، انتصارا لسوريا في وجه المطالبين ب محاسبتها على ادائها في لبنان.

في تلك الحقبة برزت سياسات جديدة، وبدت سوريا مهيمنة على الشارع المسيحي.

إلاّ أن الرئيس الجديد لحزب الكتائب كريم بقرادوني تعاطف بعد سنوات مع القيادي الجديد في حزب الكتائب الشهيد بيار أمين الجميّل، الذي أغتيل، بعدما أصبح وزيرا للعمل، وشعاره بتحب لبنان، حبّ صناعته.

وفي تلك الفترة قرر كريم بقرادوني الدفاع، كمحام، عن سمير جعجع، والانفتاح على الحوار مع الشيخ أمين الجميّل، بعد عداء طويل عندما شارك في انتفاضة كتائبية قادها أولاً الشهيد ايلي حبيقة، ومن ثم الدكتور سمير جعجع.

إلاّ أن المصالحة العابرة، بين الرئيس أمين الجميّل والأستاذ بقرادوني، حلّ مكانها جفاء من دون عداء. إلاّ أن بقرادوني أمسك بخيوط سياسية في المنطقة الشرقية، الى أن هيمنت حقبة الاغتيالات على القيادات السياسية، واستقر المقام للرئيس بقرادوني في العمل السياسي المستقل، بيد انه ظلّ الرقم الصعب في كتائب صعبة التبدّل عن كونها حزب العائلة والوطن.

مثل كريم بقرادوني ثلاثة أدوار رئيسية، ففي العام ١٩٧٦، اختاره الرئيس الأستاذ الياس سركيس ليكون أحد مستشاريه السياسيين، ثمّ اختاره الرئيس العماد اميل لحود مستشارا، وألّف كتاباً عن عهد الرئيس الشهابي، وكتاباً سياسياً آخر عن رئاسة لحود، وقد اختاره الاخير وزيرا للتنمية الادارية في حكومات عهده.

ثمة مفارقة سياسية، جرى التعبير عنها، هي ان لقاء قرنة شهوان عرف فصولاً سياسية، أبرزها ان الرئيس العماد ميشال عون قرّ فيها، واختار عدداً من أفرادها نواباً في تكتل التغيير والاصلاح، وان السوريين استطاعوا التمديد نصف ولاية للرئيس الياس الهراوي، ونصف ولاية للرئيس العماد اميل لحود، وان هذا الأخير ظلّ على مسافة واسعة من العداء للرئيس العماد ميشال سليمان.

ظلّ الرئيس اميل لحود يردد بأن الدولة أو السلطة هي التي تقرر القرار الاستراتيجي، لا الناس. وهو ما يعنيه ب الثوابت الوطنية التي لا تخضع لأي نقاش أو حوار كما قال لدى استقباله لأعضاء لقاء قرنة شهوان، الذين حضروا الى بعبدا طالبين رعايته للحوار حول القضايا المختلف عليها.

وهذه الحقبة، ظلّت غامضة خلال بروز الرئيس رفيق الحريري في الحكم، والرئيس عصام فارس، إلاّ أن استشهاد الأول، وابتعاد الثاني عن لبنان يظلّ علامة فارقة في السياسة اللبنانية، تشير الى حجم القادة الكبار في صناعة لبنان الجديد.

إلاّ أن الأستاذ جوزف أبو خليل يقول في كتابه عمري، عمر لبنان، وهو يؤرّخ تلك الحقبة، ان المنطق الذي أخذت به اسرائيل في عهد شارون في تعاونها مع الانتفاضة الفلسطينية ترك عندها غموضا لا وضوحا.

ويقول ان مقاومة الاحتلال الاسرائيلي هي ارهاب، كما ان المطالبة بأن يكون للشعب الفلسطيني ارهاب لا دولة. ولا ارهاب طبعاً وأبداً في كل ما فعلته اسرائيل، لا في الأمس ولا في هذا الزمن. لقد انقلبت المقاييس أو هكذا هي.

المهمّ الآن ان لبنان مقبل على ظروف اقليمية ودولية جديدة ومختلفة كل الاختلاف عن الظروف التي جعلت منه الساحة الوحيدة لكل الحروب، العربية – الاسرائيلية، والعربية – العربية. فقد تكون الظروف الجديدة الفرصة التي ينتظرها هذا البلد لاستعادة ذاته واسترداد حريته الكاملة بعد استقلاله وسيادته، كما قد تكون سبباً للمزيد من المظالم عليه. ومن الناحية النظرية، الحرب على الارهاب الدولي ليست سرّاً على لبنان لأنه إحدى ضحايا هذا الارهاب الذي سلبه ارادته واستقلاله وجعل منه متراساً لكل من يريد مقاتلة اسرائيل بعد إلغاء كل المتاريس. حاول، مرة، التفلّت من هذا القيد بعد الاجتياح الاسرائيلي الكبير في العام ١٩٨٢ لكنه لم ينجح.

لقد خذلته الولايات المتحدة الأميركية نفسها وتخلّت عنه حينما كان اتفاق الجلاء مع اسرائيل، اتفاق ١٧ أيار، يتطلب دعمها، أو بالأصح يتطلّب وقفة منها في وجه ذات الارهاب الذي تعلن، اليوم، الحرب الشاملة عليه، في مواطنه وفي أماكن انتشاره. لقد فضّلت الدولة العظمى، آنئذ، التواري على المواجهة، وأوفدت أحد مبعوثيها الى رئيس الجمهورية الشيخ أمين الجميّل تبلغه الانسحاب من لبنان، سياسيا وعسكريا، تاركة الرئيس اللبناني يقلّع شوكه بيده.

كان المبعوث هو دونالد رمسفيلد بالذات، وزير الدفاع في الادارة الأميركية الحالية، الذي يتذكر الآن ما فعله، أو ما فعلته حكومته في ذلك الحين ويتحرّق ندماً، بقوله أما كان أجدى أن تكون هذه الحرب على الارهاب قبل عشرين سنة؟!

وليس سرّاً أن الولايات المتحدة كانت وراء العديد من الأصوليات، تدعمها، وتمدّها بالمال والسلاح، ومنها، كما قال، أصولية أسامه بن لادن وتنظيمه، تنظيم القاعدة. فالرائج عن الدولة الكبرى، أنها لا تجد غضاضة في تقديم الوسيلة على الغاية. فهي أيضاً، كما يبدو، مع القول ان الوسيلة تبرّر الغاية. وفي ما يتعلق بلبنان كانت دائماً تعلن حرصها على استقلال لبنان وسيادته ووحدة أراضيه ولكنها، وفي الوقت نفسه، تطلق يد سوريا في لبنان مقابل الوعد بأن تكون سوريا مع التسوية السلمية، عندما يحين موعدها. فهل آن الأوان لقلب هذه المعادلة؟ وهل تغيّرت الدولة الأعظم وأصبحت أكثر رأفة مع الشعوب المظلومة وأكثر عدالة؟

ما سرّ التغيير الطارئ على معظم المراحل السياسية، اللبنانية منها والعربية.

عندما قامت ثورة العراق العام ١٩٥٨ ضد الحكم الملكي ثم على حكم نوري السعيد، لماذا وقع العداء وراجت التصفيات بين قائدي الانقلاب العراقي عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف، مع انهما كانا من روّاد الفكر الناصري الذي زرعه جمال عبدالناصر.

ولماذا حدثت التصفيات بين اليساريين والشيوعيين من جهة والقوميين والوحدويين من جهة ثانية.

ولماذا برز الحوار أخيراً في لبنان بين التطرّف والاعتدال؟

ولماذا لم يعد للصلح مطرح في عصر المهداوي.

عاد الكلام على التطرّف والاعتدال يملأ الساحة اللبنانية.

وقد تمّ تقسيم اللبنانيين الى متطرفين ومعتدلين. وكانت البداية مع النائب وليد جنبلاط عندما فتح النار على المؤتمر الماروني العالمي، مؤتمر لوس أنجلوس، معتبراً إياه قمّة التطرّف، ثم راح يغازل النائب نسيب لحود، من دون سائر أعضاء لقاء قرنة شهوان، على أساس ان هناك معارضين متطرفين ومعارضين معتدلين.

وكرّت سبحة التصريحات والبيانات بهذا المعنى، وكلها ترمي الى الفصل بين هؤلاء وأولئك: فمن كان رافضاً لواقع الحال صنّف متطرّفا، ومن كان ساكتاً عنه نال شهادته في الاعتدال. أما المقياس، فهو الموقف من الوجود السوري في لبنان، العسكري كما السياسي، وقد بدأ يرتدي أهمية خاصة في هذه الأيام. فهناك، كما يقال، هجمة أميركية على سوريا، أو رياح غربية تهبّ على المنطقة كما يقول وليد جنبلاط.

في الأسبوع الماضي، زار وليد جنبلاط جامعة هايكازيان في الصنائع ووضع باقة ورد على النصب التذكاري للمذبحة التركية بحق الأرمن، في نطاق الاحتفالات بمئوية الابادة التركية للأرمن.

اختلفت أقلية لبنانية من جذور تركية في عكار ضد الاحتفالات التي عمّت لبنان لمناسبة مئوية الابادة.

ويقول المراقبون انها مظهر أساسي للتنوّع في لبنان ويوم تسقط المظلة لا يعود لبنان هو لبنان.