أوراق تتناثر على أديم الأحداث والتطورات والمفاجآت
وأسماء تتشابه يجمعها المستقبل بين البيت والتيار !
كانت دعوة الرئيس الشيخ أمين الجميل، الى اعادة افتتاح بيت المستقبل في عرينه السياسي والانتخابي، مترادفة مع حرصه على احياء موقع رئاسة الجمهورية، وحمايته من أخطار الصراعات المتتالية، ومتلازمة مع حرص تيار المستقبل على حفظ ماء وجه أركانه، في غمرة تجاذبات تعترض قواه الشعبية.
في العام ١٩٨٢، وبعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان، جمع الرئيس الاميركي رونالد ريغان في البيت الابيض الأميركي، وزراء الخارجية العرب، وطلب منهم الانسحاب السوري والاسرائيلي من لبنان، وعقب السيد عبد الحليم خدام، وكان يومئذٍ لا يزال وزيراً لخارجية سوريا: لتنسحب اسرائيل أولاً، ونحن مستعدون لمغادرة لبنان بعدها.
احتدم الرئيس الاميركي غضباً، ورد على خدام بقوله: تنسحبون معاً. وأردف: وهو يضرب بقبضته على الطاولة: لا أريد شروطاً. أريد انسحاب الجميع من دون شروط.
ربما، ما حدث العام ١٩٨٢، تبدّل في الأعوام اللاحقة، وتم ارسال وزير الخارجية الاميركي جورج شولتز الى المنطقة، بعد استقالة سلفه ألكسندر هيغ من منصبه، وايفاد موريس درايبر الى لبنان. ووضع اللمسات الأخيرة، على اتفاق ١٧ أيار حول الانسحاب الاسرائيلي من لبنان.
إلا أن الدولة العبرية راحت تراوغ وتماطل في تنفيذ الاتفاق، وما حدث بعد انتخاب الشيخ بشير الجميل رئيساً للجمهورية اللبنانية، حدث شيء مختلف بعد اغتياله، وانتخاب شقيقه الرئيس امين الجميل خلفاً له.
أدرك الرئيس اللبناني الجديد، أن اسرائيل تتردد في مغادرة لبنان، ورد بابلاغ سوريا أنه لا يضع في كفتين متقابلتين الانسحابين، وان همه الأول تنفيذ اتفاق ١٧ أيار.
بعد ذلك عقد الرئيس أمين الجميل ١٢ قمة لبنانية – سورية، من دون أن يفهم من الرئيس السوري حافظ الاسد موعد الانسحاب من لبنان، أو انه يضمر فعلاً نيات لمغادرة لبنان، قريباً، أو بعيداً، على الرغم من الأجواء الطيبة التي كانت تسود العلائق بينه وبين الرئيس السوري.
حرص الرئيس الجميل حتى اليوم الأخير من ولايته، على استدراك دهاء الرئيس حافظ الاسد، وعدم الوصول الى قطيعة سياسية معه، لكن بين الذكاء والدهاء ضاعت لعبة الأوهام في دهاليز المناورات.
ظل الرئيس امين الجميل يتسم بالصراحة والوضوح، لكن مغامرة الانقاذ ظلت تراوده في كل الاحيان وتشحذ تصميمه على حرية لبنان، ايماناً منه بأن عائلة عريقة أعطت نبعاً من التضحيات والشهداء في خدمة لبنان، لا بد في النهاية من أن تحصد ثماراً كثيرة من النجاحات.
كانت أبرز مغامراته في آخر ولايته الرئاسية، ان يغادر الحكم، ولبنان شامخ بحريته والاستقلال، وإن لم يفهم كثيرون من الخصوم والأصدقاء، نياته المتحررة من الأغراض الشخصية، وفي مقدمتها اختياره المستشارين غير المرتبطين بحزب الكتائب وأبرزهم غسان تويني، ايلي سالم، جان عبيد، عبدالله بوحبيب، واصراره على الوفاء لوالده الشيخ بيار الجميل وللأصدقاء كالرئيس كميل شمعون والوزير السابق كاظم الخليل.
أما حكومته الأولى فقد اختار لرئاستها الرئيس شفيق الوزان، وإن كانت تراوده أسماء أخرى.
لكنه رأى أن الوزان نجح، عند تأليف حكومته الأولى في عهد الرئيس الياس سركيس بشعاره الشهير الحكم مشاركة لا مشاكسة ومن أبرز وجوهها روجيه شيخاني، ابراهيم حلاوي، بهاء الدين البساط، جورج افرام، عادل حمية وعدنان مروة.
إلا أن الرئيس امين الجميل، تألبت عليه المشاكسات والمناورات، وبرز على رقعة الحكم وزراء أقوياء وأشداء، بفعل المداخلات السورية، وخضوع القيادات الاسلامية للنفوذين المتصارعين السوري برئاسة حافظ الاسد والفلسطيني بزعامة ياسر عرفات، وتألفت فيما بعد حكومة برئاسة عدد من الاقطاب وفي طليعتهم الرؤساء رشيد كرامي، كميل شمعون، عادل عسيران، سليم الحص، جوزف سكاف، بيار الجميل، عبدالله الراسي، فيكتور قصير، واعتلى السلطة للمرة الأولى نبيه بري ووليد جنبلاط.
تميزت تلك الحكومة الاستثنائية بمواجهة ظروف صعبة ومعقدة لإسكات صوت العنف، واطلاق لغة الحوار والتفاهم، الا انها خسرت قوة مارونية أساسية بوفاة الوزير الشيخ بيار الجميل، وتعيين جوزيف الهاشم خلفاً له، واحجام الوزير عبدالله الراسي عن المشاركة في معظم اجتماعات مجلس الوزراء.
في ظل تلك الحكومة جرى الاتفاق على انشاء محكمة دستورية لمراقبة دستورية القوانين، وللبت بالنزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية، اضافة الى تعيين رئيس المحكمة الدستورية بناء على اقتراح مجلس الوزراء وموافقة مجلس النواب، واقرار اصلاحات تقضي بالتوجه نحو الغاء الطائفية في الوظائف العامة ووضع قانون جديد للجنسية.
الا ان تأليف حكومة من المجلس العسكري، في اليوم الأخير من ولايته، زج البلاد في دهاليز سورية قضت بانسحاب نصف اعضائها من المسلمين، والابقاء على نصفها المسيحي بقيادة العماد ميشال عون والوزيرين ادغار معلوف وعصام ابو جمرة، بعد استقالة الوزراء محمود طي ابو ضرغم درزي والعميد نبيل قريطم سني والعقيد لطفي جابر شيعي.
وولدت حكومة في ٢٥ تشرين الثاني ١٩٨٩ برئاسة الرئيس سليم الحص وكان من ابرز اعضائها الوزراء: ميشال ساسين، جورج سعاده، نزيه البزري، ادمون رزق، علي الخليل، نبيه بري، وليد جنبلاط، الياس الخازن، ألبير منصور، عمر كرامي ومحسن دلول.
الا ان هذه الحكومة واجهت أزمة سياسية، جوهرها اصرار رئيسها الدكتور سليم الحص على اختيار مكان خاص لانعقاد مجلس الوزراء فيه، الأمر الذي عارضه الرئيس الياس الهراوي.
كان سليم الحص يواظب على مطلبه، في حين يعتبره الرئيس الهراوي امراً تعجيزياً، يلامس الاصرار الصادر عن العماد عون على البقاء في قصر بعبدا، والاحتفاظ بوزارة الدفاع في اليرزة، وتحت سلطته، بوصفه رئيس السلطة الدستورية.
الا ان الرئيس الياس الهراوي توجه الى دمشق، وعقد قمة مع الرئيس حافظ الاسد، وصارحه في رغبته في الاستقالة من رئاسة الجمهورية.
ورد الأسد، على ما قيل، بأنه لا يجوز ان يستقيل رئيس الجمهورية، عند كل أزمة سياسية، وانه، اذا كان ثمة مبرر للتغيير، فيجب ان يكون في رئاسة الحكومة.
وتردد لاحقاً ان الرئيس الاسد اتصل بنائبه السيد عبد الحليم خدام، وطلب منه ان يفهم من الرئيس الهراوي ما اذا كان يوافق على اسم الوزير في حكومته السيد عمر كرامي على أن يرئس الوزارة المقبلة، فرد الرئيس الهراوي بأنه لا يمانع في قبول هذا الاقتراح.
وهكذا، كما عُرف لاحقاً، اتصل خدام بكرامي، وسأله عما اذا كان يوافق على ترؤس الحكومةبشروط أبو جورج. وهكذا تمت استقالة الحكومة، وأصبح عمر كرامي رئيساً لمجلس الوزراء.
اعتبرت حكومة عمر كرامي حكومة ترسيخ اتفاق الطائف وضمت الوزراء: نزيه البزري، ميشال المر، خاتشيك بابكيان، جميل كبي، بطرس حرب، مروان حماده، وليد جنبلاط، نبيه بري، ألبير منصور، شوقي فاخوري، عبدالله الأمين، سمير جعجع، سليمان فرنجيه وطلال ارسلان.
وقفت ازمة عند باب تأليف الحكومة، ابرز اسبابها عقدة جمع سليمان فرنجيه وسمير جعجع معاً في حكومة واحدة.
الا ان وسطاء عملوا على خط دمشق زغرتا والمقر الرئاسي الموقت، لاستئصال العقبات، واهمها اقناع الوزير فرنجيه بأن الوزير جعجع لن يحضر جلسات مجلس الوزراء.
وتردد ان احد اصدقاء جعجع سيتم توزيره لاحقا، ليحل مكانه في الحكومة، وهو من طرابلس ومقيم في بيروت.
وهكذا، انتهى مع انتهاء عهد الرئيس امين الجميل، تأليف حكومات في لبنان، ذات صناعة لبنانية والرئيس الجميل كان يفاوض السوريين، ولكنه لم يعطهم شيئاً، وظل يحافظ على لبنانيته، من دون ان يفرّط في مبادئه.
وهكذا تواصل تشكيل الحكومات بارادة سورية، وبمشاركة لبنانية من القوى المتعاطفة مع سوريا.
ويروى، ان الرئيس الياس الهراوي قبل استقالة الرئيس الحص، وينوي تأليف حكومة يعهد اليها اجراء الانتخابات الأولى في عهده، بعد اتفاق الطائف.
وفي أثناء مغادرة نائب رئيس مجلس النواب ميشال معلولي المقر الرئاسي الموقت، سئل عمن يعتقد، أو يفهم من سيعهد اليه باجراء المشاورات لتأليف الحكومة العتيدة، رد بأن الصلح سيّد الاحكام.
وعقب الرئيس سليم الحص امام زواره: ان رئيس الحكومة المقبل هو الرئيس رشيد الصلح.
الا ان احد الحاضرين قال: لقد نبت العشب على باب منزله، لعدم تردد أحد لزيارته.
ورد آخر: اذا، حكومة ابن الصلح، هي حكومة انفجار الأزمة… وبعد تجميع الوزراء فيها تصبح حكومة بداية حل الازمة.
ومن ابرز الوزراء الذين تناوبوا على شغل مقاعد الحكم بعد العام ١٩٩٢: الوزراء، خاتشيك بابكيان، جورج سعاده، نبيه بري، وليد جنبلاط، فارس بويز، الياس حبيقه، سليمان طوني فرنجيه وشاهيه برسوميان، سمير مقدسي، وميشال سماحة.
طبعاً، كانت الحكومة تتألف غالباً، في دمشق، لئلا تتهاوى وتتساقط أوراقها في منتصف الطريق.
وأبرز ما عرفته تلك الحقبة، ان الرئيس حافظ الأسد، استقبل موفد الرئيس الهراوي فارس بويز، وبعد عودته الى بيروت، اتصل الأسد بالرئيس اللبناني، وعاتبه لأن عنده شخصاً مميزاً اسمه فارس بويز ولا تسند اليه حقيبة وزارية، واقترح عليه تعيينه وزيرا للخارجية. وهكذا كان.
في تلك الحقبة بلغ التدخّل السوري مداه الأوسع، خصوصا على صعيد تمزيق حزب الكتائب اللبنانية، وتقطيع أوصاله، ولا سيما بعد قيام الانتفاضات داخل الحزب بقيادة الثلاثي: ايلي حبيقه، سمير جعجع، وكريم بقرادوني.
ولوحظ، ان الرئيس أمين الجميّل أوفد ميشال سماحة الى دمشق، ونزل في الجناح الرئاسي في فندق الشيراتون، لكنه ذهب الى سوريا موفداً رئاسياً، وراح يعمل لتسويق انتفاضة الثلاثي حبيقه، جعجع، وبقرادوني.
إلاّ انه وفي أثناء اصطحاب حبيقه لعدد من القادة اللبنانيين المعروفين الى دمشق، ووقوع الصراع الحاد بين جعجع وحبيقه، وحدثت تطورات قضت بتغيير الخريطة السياسية، ومن أبرزها اغتيال ايلي حبيقه على مسافة ٥٠٠ متر من منزله في الحازمية، وزجّ الدكتور جعجع إحدى عشرة سنة في السجن، وصدور القرار بارسال العماد ميشال عون الي مارسيليا، ليمضي سنوات فيها، أو في لا هوت ميزون، قرب باريس.
كيف أمضى الرئيس أمين الجميّل أيامه بين المنفى الباريسي ومنزله في سن الفيل، وكيف واجه احداث تلك المرحلة، ولعل أبرزها انتخاب كريم بقرادوني رئيساً لحزب الكتائب، وقيام هذا الأخير بمصالحة تاريخية مع الوزير بيار أمين الجميّل، الذي تسلّم حقيبة وزارة الصناعة، ورفع شعاره الشهير بتحبّ لبنان، حبّ صناعته.
في العام ٢٠٠١، طرح السؤال الأكبر: هل أزف موعد استرداد الكتائب أو اعادة الكتائب الى أهلها وأصحابها.
وهو السؤال الذي يطرح الآن، هل دعوة الرئيس أمين الجميّل الى لقاء منتصف الشهر الحالي في بكفيا، مناسبة لعودة الكتائب الى نفسها والى مناصريها، أم البديل من عودته الى رئاسة الجمهورية، من خلال الاطلاق الجديد ل حاليات بيت المستقبل، وهي رديف أساسي للرئاسة الأولى.
في شهر حزيران ٢٠٠١، نجح الرئيس الجميّل في الجمع بين عدد من القيادات الكتائبية، ومن بينها وعلى رأسها الدكتور ايلي كرامه رئيس الحزب، وحامل لواء المعارضة الكتائبية.
لقد تلاقى أولئك الأشخاص نهار السبت في النصف الثاني من حزيران ٢٠٠١، في بكفيا، واتفقوا على خوض معركة توحيد الكتائب معاً، وبالتالي على ما يشبه الرؤية الواحدة لكيفية النهوض بالكتائب. وفي ظلّ قيادة جديدة، على قدّ هذه المهمة، كما يقول جوزف أبو خليل الذي يردد بأن ذلك اللقاء كان حدثاً لم يسبق أن جرى مثله منذ غياب الشيخ بيار الجميّل. لأن مجرد حصوله شكّل انتصاراً على الجهات التي حاولت منعه.
قبل ثلث قرن كانت الدولة، كما يقول الرئيس السابق لتحرير جريدة العمل لا تريد الكتائب، ورئيسها اسماً لغير مسمّى.
إلاّ أن الظرف، الآن تبدّل، لأن الكتائب، عادت الى معظم المناطق اللبنانية، وفتحت مكاتبها والفروع في الشمال والجنوب، وان الحزب الذي تعرّض للانشطار يواجه المستقبل، كما واجه في حقبة السبعينات الأزمات والمشاكل.
ويُروى ان الرئيس سليمان فرنجيه، عندما استقبل الموفد الأميركي دين براون في قصر الكفور بادره بأن أمامه رئيس جمهورية لبنان، والرئيس السابق للجمهورية كميل شمعون والأباتي شربل قسيس رئيس الرهبانية اللبنانية، والشيخ بيارالجميّل رئيس أكبر حزب لبناني. ثم بدأ الرئيس فرنجيه بطروحات الدولة، وظلّ براون يصغي…
لذلك فقد قال جوزف أبو خليل في كتابه، عمري من عمر لبنان في حقبة الثمانينات، أجل، لقد قامت كتائب جديدة لا تحمل من الكتائب الحقيقية إلاّ الاسم. فكان لا بد من أن تتهافت، وأن يدبّ فيها الفساد، وأن تسقط في أعين الناس، بعد أعين الكتائبيين. وهي حال كل حزب أو تنظيم سياسي لا مسوّغ لوجوده إلاّ حب السلطة والوجاهة الفارغة والمنفعة المادية، حاول العديد من الكتائبيين القدامى، والذين ألفوا أن يكون بيت الكتائب بيتهم ومرجعيتهم الوحيدة، الحفاظ علي الحد الأدنى من حقيقة الكتائب، ولكن من دون جدوى. والحقيقة تقال أن الاستيلاء على هذه المؤسسة كان كاملاً، لكن انفجار النزاع بين أطراف السلطة فيها كان محتماً فالتسوية مستحيلة، لأن لا أحد يريد أن يتنازل للآخر، كما أن النظام العام الذي جرى تعديله قياسا على أشخاص لا ينتج أي تسوية.
وهو المأزق الذي وصلت اليه المسألة حينما عاد الرئيس الجميّل من غربته القسرية، عودة أحيت الآمال في تغيير يعيد الأمور الى نصابها. فقيل بالمصالحة، والعفو عمّا مضى، والمبادرة الى انتخاب قيادة جديدة في أقرب وقت. إذ ليس مسموحا أن يظلّ الحزب بلا قيادة، وبلا سلطة قرار سنة أخرى. وهذا ما لم تسمح به دولة التلازم بين المسارين حينما وقفت حائلاً دون عودة الرئيس الجميّل الى الكتائب، وهي في الحقيقة تقف حائلاً دون عودة الكتائب الى نفسها، إذ أن لا أحد سواه يملك ما يؤهله لهذه المهمة الصعبة. والمصالحة التي تمّ التعاقد عليها في اتفاق مكتوب، مرة ومرتين، ظلّت متعذرة.
الأمر الثاني، هو أن الكتائب ليست طفرة، ولا هي مشروع سلطة أو تجمّع وجهاء سياسة وهواة نيابة. فلنشوئها أسباب تاريخية متصلة بوجود لبنان السياسي واستقلاله وسيادته. انها التنظيم الجماهيري الهادف الى إقحام المسيحيين، ومن موقع الثقة في النفس والشعور بالمسؤولية، في التجربة الحضارية والانسانية التي تشكّل معنى وجود لبنان، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، تجربة التلاقي والتفاعل بين الأديان والثقافات والحضارات، وخصوصا بين المسيحية والاسلام. أما دور الكتائب فهو أن تكون الطليعة المنظمة والمتحركة في هذا الاتجاه يثق فيها اللبنانيون، والمسيحيون في نوع خاص، ويطمئنون الى مبادراتها وقراراتها.
ويضيف: لهذا الدور التاريخي كانت الكتائب لا لسواه من الأدوار، ولا طبعاً لوظيفة شاهد زور كالتي يريدونها لها في هذا الزمن.
فهل سيسمح للكتائب بأن تستأنف الدور الذي خلقت له فأتاحت للبنان أن يتجاوز تجارب عديدة، لعلّ أهمها وأشدّها خطورة تجربة الخلط بين القضية الفلسطينية والقضية اللبنانية، في مطلع السبعينات، تحت ستار التضامن بين الشعبين، اللبناني والفلسطيني، فكاد لبنان يصبح البديل من فلسطين؟!
وما ان تجاوز لبنان هذه التجربة، بفضل المقاومة التي تصدّرتها الكتائب يومذاك، حتى وجد نفسه أمام ذات التجربة تقريبا، بحلول سوريا مكان منظمة التحرير الفلسطينية. لقد اختلط مصير الجنوب بمصير الجولان، وتحت ستار التضامن أيضا بين الشعبين اللبناني والسوري. والفارق اليوم هو أن الكتائب ليست كما كانت في العام ١٩٧٥. فهي مغيّبة، لاهية عن القضية اللبنانية بنفسها، ومحتجزة، في انتظار ما ستسفر عنه المحاولة التي يتعهّدها الرئيس أمين الجميّل، وقد قطعت أشواطا وبقي الشوط الأخير. انها المعركة الفاصلة مع الأجهزة الأمنية التي لم يبق في يدها إلاّ أن تمنع الهيئة الناخبة في الكتائب من أن تلتئم لانتخاب القيادة الجديدة. فهل سيصل الأمر الى هذا الحدّ؟!