Site icon IMLebanon

ثغرات في النظام تعطل فضيلة المشاركة في السلطة

 

 

ثغرات في النظام تعطل فضيلة المشاركة في السلطة

قصة أزمة كادت أن تطيح بوحدة البلد:

ديمقراطية لبنان صعبة والحرية فيه أساسية

البلاد ضائعة، مبلبلة، وكأنها واقفة على باب الإنهيار، بعد العاصفة السياسية، الذي أحدثها كلام منسوب الى وزير الخارجية جبران باسيل، وهو صهر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وفيه طعن بكفاية رئيس السلطة الإشتراعية نبيه بري.

يوم الخميس الفائت غادر الوزير باسيل لبنان الى افريقيا لحضور مؤتمر دعي اليه وجود اغترابية تاركاً في بيروت دعماً منقطع النظير ضد الكلام المنسوب اليه ضد الرئيس بري ودعوة صادرة عن القصر الجمهوري، يدعو فيها العماد عون الى المسامحة من الجميع، فيما هب انصار رئيس البرلمان، في بعض شوارع بيروت وشملت أنصاره ورفاقه في الندوة النيابية: يطالبون وزير الخارجية والمغتربين بالإعتذار عما صدر عنه بحق قائد مسيرة الحياة الإشتراعية، وزعيم كتلة شعبية واسعة فيما رئيس الجمهورية يقول انه مصمم على ممارسة صلاحياته الدستورية من دون زيادة أو نقصان، ومجدداً التزامه باتفاق الطائف، ولافتاً الى ضرورة معالجة الأزمات في نطاق المؤسسات الدستورية لا في الشارع.

وسط هذه الأزمة غير المتوقعة نشطت مساع بعيدة عن الأضواء لترميم الهوة بين الرئاسة الأولى والرئاسة الثانية، على أمل جمع الرئيسين عون وبري في التاسع من شباط الجاري، على هامش قداس مار مارون شفيع الطائفة المارونية والذي سيرئسه للمرة الأولى الكاردينال بشارة الراعي بطريرك الطائفة المارونية، لأن هناك اجماعاً وطنياً على التنديد بالحملة المنسوبة من قبل وزير الخارجية ضد المرجع الأعلى للطائفة الشيعية، على الرغم من ان هذا الأخير، بادر الى الإعتذار عن حضور القداس، فيما رئيس الحكومة معلقة عليه الآمال الكبار لاستيعاب الأزمة بعد عودته من تركيا.

 

والحقيقة، ان هذه الأزمة امتدت الى الشارع ووصلت الى مواجهات بين حركة أمل التي يرئسها قائد البرلمان والتيار الوطني الحر الذي يرئسه باسيل.

والمفيد ان حركة أمل ووزير المالية علي حسن خليل دعوا المسؤولين واللبنانيين الى مغادرة الشارع، وشددا أيضاً على الحوار لا على المواجهات، الا ان الإعتذار من اللبنانيين على لسان وزير الخارجية لم يصدرقبل سفره الى مؤتمر ساحل العاج الذي وجهت الدعوة اليه الى اللبنانيين في عالم الإنتشار، على أن يلتئم شمله في أبيدجان، على الرغم من صدور دعوات الى مقاطعته أو الى تأجيله في لبنان والخارج.

والقضية كبرت وباتت تستدعي عقد مؤتمر وطني لبناني لاحتواء العاصفة، يكون سقفاً للوحدة اللبنانية والوطنية وتقفل باب الحملات الشرسة التي امتدت الى الحدت وسن الفيل، ووضع اللبنانيون أيديهم على قلوبهم، بعد صدور مواقف متباعدة عن ثلاثي السلطة لأن الرؤساء عون وبري والحريري هم السيبة الثلاثية للحكم، بعد مرور عام وبضعة أيام على السنة الاولى للحكم، وعلى أبواب انتخابات نيابية، في الربيع المقبل.

هل حدثت تباينات بين أهل السلطة في الحكم، خلال حقبات ما بعد الطائف.

والجواب على ذلك، ان هذه الأمور وقعت في عهد الرئيس اميل لحود عندما كان الرئيس الدكتور سليم الحص، يرئس الحكومة اللبنانية، بعدما ظهرت تباينات سابقة بين الرئيس الياس سركيس وبينه، خلال مشاركتهما معاً في قمة عربية عُقدت في فاس لكن الدولة التونسية عرفت انماطاً غير دقيقة على هذا الصعيد، وفي احدى القمم قيل ان الرئيس سليم الحص قدم الى القمة ورقة عمل تساير المقاومة الفلسطينية، الا ان سليم الحص بادر ياسر عرفات بأنه وضع الورقة بالتعاون مع الرئيس الياس سركيس، كما ان هذا الأخير. أبلغ المؤتمرين انه متفق على محتواها مع رئيس الحكومة.

وفي عهد الرئيس اميل لحود، جاهر الرئيس سليم الحص بانه قدم الى المؤتمر ما هو متفق عليه مع الرئيس اميل لحود، وكذلك فعل رئيس الجمهورية.

الا ان الرئيس الحص خاض آخر انتخابات في ايام رئاسته للحكومة وخسر المعركة الانتخابية وكان ترتيبه العاشر بين الأعضاء. اي انهم سقطوا جميعاً في الإنتخابات.

يومئذٍ أحرز الرئيس الحص ١٩٨٧ صوتاً، أي أقل من ٣٠ في المائة من مجموع المقترعين الذين بلغوا ٤٤٩١٦، فيما أحرز منافساه ٢٢٣٩٤.

ويقول الرئيس الحص عن سقوطه وثلاثة وزراء معه، كان شاهداً على حياد الحكومة، ولو ان الإنتخابات لم تكن ديمقراطية نظراً للعصبيات الطائفية والمذهبية. ونظراً للتدخلات التي جرت في تشكيل اللوائح الإنتخابية.

ويورد الدكتور سليم الحص انه قبل الإنتخابات فاتح الرئيس اميل لحود برغبته في الإستقالة، افساحاً في المجال أمامه امام تشكيل حكومة من غير المرشحين يكون حيادها مضموناً، لكن الرئيس لحود ابى وناشده الا يفكر في هذا الإحتمال مرة أخرى.

ويقول: كان قدري ان أبقى لابرهن عن حياد حكومتي ويقول ايضاً ان سنوات طويلة سلختها من عمري في خدمة الوطن والشعب، لقد أرادوا اغتيالاً سياسياً، ومحو سيرتي من ذاكرة الوطن، الا ان سيرتي الوطنية هي اعز ما أملك، وأغلى ما أتركه لاحفادي. انني مدرك ان ما من سيرة إلا ولها نهاية، ولكن من حقي الا آدع أحداً يجعلني ضحية مال او عصبية، حتى ولو كانت السياسة في لبنان غابة بلا شريعة.

ويتابع: كثيراً ما يكون الخبر في لبنان وجهة نظر، وكثيراً ما تكون الحقيقة كما تبدو لرائيها، وكثيراً ما يكون الاعلام عين المجتمع على الحقيقة. هكذا تضخم ايجابيات وتطمس سلبيات أو تطمس ايجابيات وتضخم سلبيات. هكذا يصنع النجاح في السياسة، وهكذا يصنع الفشل.

ويخلص الرئيس الحص الى القول: قد أكون أصبت في كثير مما أقدمت عليه وأخطأت في بعضه، قد أكون وفقت في كثير مما أقدمت عليه، وأخفقت في بعضه، إلا انني لست نادماً على ما قمت به.

 

إنفراج يحتوي الإنفجار

يوم الاثنين الماضي، أفاق اللبنانيون على خبر انفجار سياسي، راح يتفاعل ويتطاير من أفق إلى أفق، ومفاده ان وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل وصف رئيس مجلس النواب نبيه بري باقذع الأوصاف وأبشعها. في لقاء محدود انعقد في محمرش البترونية. وهي بلدة صغيرة لكنها من القاعدة الإنتخابية للوزير الزائر.

طبعاً، ماذا ينتظر المراقبون من فتاة أو سيدة تعمل في الصحافة، ومن حزب سياسي مناوىء لوزير الخارجية، يعتبر رئيس السلطة الإشتراعية بأنه بلطجي في السياسة. ولذلك فقد قيل انها أعطت نسخاً من فيديو كلام باسيل إلى كل من طلبه منها أو تبرعت ب اهدائه نسخة عنه.

بعضهم يقول ان وزير الخارجية فوجىء بتسريب أقواله، وبعضهم قيل انه لم يكترث بالأمر. إلا ان ما أحدثه من ضجة، وكاد يهدد بعودة الحرب الاهلية إلى لبنان. صحيح ان رئيس الجمهورية بادر إلى استدراك الأمر، بوضع الحق في ما صدر عن الفريقين على النقل، لكنه لم يكذب ما صدر لأنه ليس يملك حقيقة ما قيل، باعتبار ان صهره الوزير باسيل كان مشغولاً بحزم حقائبه تمهيداً للسفر الى شاطىء العاج.

إلا ان ثلاث مفارقات ظهرت:

أولاً: لم يعتذر الوزير باسيل عن الكلام المنسوب إليه ضد رئىس المجلس.

ثانياً: لم يصدركلام معاد من عين التينة للرئيس عون وسعد الحريري.

ثالثاً: سارع جماعة تبييض الوجوه إلى صب الزيت على نار الفتنة.

في مقابل ذلك عمل الاطفائيون على صب الماء على التصاريح الشائنة. وكان في مقدمتهم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وبعض أركان الحزب ونوابه، بغية احتواء الضجة المتزايدة، وقطع دابر الإنفعال السياسي.

وانضم الى هذه الجهود عنصران أساسيان تمثلا بالموقف الحكيم لرئيس الجمهورية والموقف الرصين للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وواكبهم في مساعيهما الخيرة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري بعد عودته من تركيا، وتجاوب الرئيس بري نفسه مع المساعي الخيرة الصادرة أيضاً عن السيد جان عبيد الذي صادف وجوده في القصر، بناء على موعد سابق للأزمة.

وهكذا نضجت ظروف تسوية سياسية للأزمة، فطلب رئيس الجمهورية من المسؤولين في القصر الجمهوري الاتصال بعين التينة والإتفاق مع المسؤولين فيه على موعد لإجراء الإتصال بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب. وبعد ساعات كان الرئيس العماد ميشال عون يتكلم مباشرة مع رئىس البرلمان، في خلال دقائق اتفق الرئيسان على طي الموضوع، والاجتماع غداً الثلاثاء في قصر بعبدا، للرد على التصريحات المعادية والمؤذية التي صدرت عن وزير الدفاع الإسرائيلي افيدور ليبرمان، ضد التنقيب عن النفط في البحر الذي يزعم الوزير الإسرائيلي انه لإسرائىل وليس للبنان، على أن يجري البحث في القضايا المحلية الأخرى، في إطار مجلس الدفاع المدعو الى اجتماع مؤجل.

وهكذا انتهت أزمة ثلاثة أيام في ثلاث دقائق وحل التوافق مع الحوار الهادئ، مكان الوفاق الذي يضيع أحياناً بين الأشقاء والأصدقاء وقلب صفحة محمرش من التداول.

كان الصحافي الكبير أنور نصّار المدير السابق لتحرير الانوار يتوجه بعد كل جلسة لمجلس الوزراء الى المصيطبة للوقوف على ما حدث من تفاهمات أو إشكالات وإشاعات.

كان صائب بك سلام يثق بالزميل الخلوق، ويعطيه محاضر الجلسات ليختار منها ما يفيد الانوار وقرارها من معلومات، فيما الزميل الكبير يأخذ منها ما يفيد البلاد والعباد، ومنها أزمات كبرت مثل أزمة الكروتال وسواها، وكانت المعلومات الدقيقة تغني عن الأقوال المهدورة خلال النقاش بين السادة الوزراء. وذات مرة قال الرئىس سلام للزميل نصار، لقد جعلت بحكمتك واخلاصك وموضوعية الانوار صحن كبة نية ظلت تمعن فيه بدقة، حتى أصبح مفيداً للبنان لا مسيئاً لأهل الحكم، رحل صائب سلام ورحل بعده أنور نصار الى العالم الآخر، وبقي للصحافة وللسياسة المعلومة والموضوعية، لا الإثارة ولا الحرتقات.

ماذا حدث في لبنان، قبل بيان بعبدا الأخير ومحاولة الرئيس ميشال عون، توجيه الأنظار من حرب حركة أمل عليه وعلى صهره وزير الخارجية جبران باسيل.

صحيح ان الرئيس بري حذر أصدقاءه والأنصار من تركيز الحملة على رئيس الجمهورية وحصرها ب تصفية سياسية على باسيل، لكنه كان يدرك ان البلاد آتية إليه صاغرة لتطييب خاطره.

هل حدث شيء قريب مما حدث للوزير باسيل في محمرش مع الرؤساء كميل شمعون وفؤاد شهاب وشارل حلو وسليمان فرنجيه.

الا ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أدرك بسرعة ما يكنه له الخصوم وأوعز الى المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية بتوزيع بيانه السياسي الذي يتنصل فيه من كلام قبل يومين ويتناول الوضع السياسي بفجاجة لا أثر فيه للسماح أو للمسامحة.

 

درس من شهاب

الا ان هواية الإستقالة من المنصب الرئاسي الأول في البلاد راودته دائماً، ولكنها لم تراود سابقاً كميل شمعون ولا بشارة الخوري، لانه كان محاطاً بمن يدعوه بالحاح إلى طيّ الموضوع.

عند الساعة الاولى والدقيقة العشرين من بعد ظهر الاربعاء الواقع فيه العشرون من تموز ١٩٦١، فاجأ رئيس الجمهورية اللبنانيين بحديث لم يتوقعوه. رأس جلسة مجلس الوزراء برئاسة أحمد الداعوق في صربا، وأعلن بعد إنفضاضها انه وجه كتاباً إلى رئىس مجلس النواب صبري حماده، كان قد قرأه على مسامع الوزراء. وقد اختلط لديهم الذهول بالوجوم، كما يقول الكاتب السياسي نقولا ناصيف ومفاده انه قرر اعتزال المنصب السياسي، طالباً منهم بأن يأخذوا علماً بذلك، ووجه إلى اللبنانيين رسالة بذلك.

كان تنحي فؤاد شهاب سابقة جديدة لمغادرة رئيس الجمهورية منصبه طوعاً، معتبراً ان مهمته قد انتهت، داعياً إلى انتخاب رئيس سياسي جديد.

فور الإعلان عن الإستقالة نشطت الجهود لثنيه عنها. ولم يكن أحد من معاونيه على علم بقراره باستثناء الأستاذ فيليب تقلا الذي كتب مسودة التنحي بحبر أزرق، ووقعها الرئيس شهاب بحبر أسود كما يقول الاستاذ ادمون عبد النور العضو السابق في مجلس بلدية طرابلس والصديق المقرّب من الرئيس رشيد كرامي، كان فيليب تقلا السياسي الوحيد العارف بالأمر.

وحده النقيب يومئذ غابي لحود، حضر بعد حين بناء على طلب الرئيس الذي خاطبه بالقول: إن مهمتي في الرئاسة قد انتهت الآن كي لا ينتهي الجيش.

 

عندما تجمّع النواب في بيته الكائن في جونيه، قال لهم إنه رفض الرئاسة في العام ١٩٥٢، لأنني لا أريد أن أقحم الجيش في السياسة، وبعد حوادث العام ١٩٥٨، أرغمتُ على ترشيح نفسي انقاذاً للبلاد التي كانت تتخبط في أزمة حادة. ومنذ ذلك الحين صممت على أن أستقيل.

بعد ذلك أحرق السادة النواب الإستقالة بمن فيهم الرئيس صائب سلام والعميد ريمون اده ورشيد كرامي وعدنان الحكيم والدكتور ألبير مخيبر والرئيس صبري حماده وكمال جنبلاط وبيار الجميّل.

هل صحيح ان رئيس الجمهورية يملك صلاحيات في الدستور، يحجم عن استعمالها.

السؤال طرح على شهاب نفسه، فقال انه استشار كبار رجالات القانون في فرنسا ومنهم موريس غارسون، فتبين له ان الحق معه، ان رئيس الجمهورية في هذه البلاد لا يستطيع أن يفعل شيئاً، هو يملك ولا يحكم، لأنه مقيد.

كيف هو الوضع الآن بعد همروجة جبران باسيل والفتاة أو السيدة التي سرَّبت شريطاً إلى الصحافة يحمل فيه بأقذع الصفات على الرئيس نبيه بري.

يجيب الكاتب السياسي الدكتور داود الصايغ على هذا التساؤل، بقوله ان الرئيس فرنسوا ميتران، عندما باشر حملته الإنتخابية العام ١٩٨١، كتب عنواناً تحت صورته القوة الهادئة، وكان ذلك سبباً للثقة به، وليس للشعار وحكم فرنسا ولايتين لمدة أربع عشرة سنة، وكان يقول ان الرئيس يشبه قائد سفينة وسط نهر كبير، يمسك بالدفة ويحركها تارة إلى اليمين وطوراً إلى اليسار، من غير أن يتمكن من تحويل مجرى النهر.

نهر الحكم قائم بالاستمرار من الميثاق، لبنان ذو نظام ديمقراطي برلماني، لكن تأليف الحكومات لم يعد مهمة سهلة، بدليل امتداد عملية التأليف أشهراً عدة، كما حصل مع حكومة سعد الحريري عام ٢٠٠٩ ومع حكومة تمام سلام عام ٢٠١٤، وهذا يدل على صعوبة المشاركة وفشل تحقيق المشاركة وعلى صعوبة جمع الأضداد في الحكومة الإئتلافية على النحو الذي يعمل به حالياً، لأن المشاركة اذا لم تكن قائمة، على الرؤية الواحدة تتحول الى محاصصة!!