أكتب هذه السطور من العاصمة المصرية القاهرة٬ وعلى بعد ساعات قليلة من اختتام زيارة العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز٬ التي وصفت بأهم الأوصاف وأدقها٬ تعبيًرا عن النقلة النوعية المأمولة والمتوقعة في العلاقات بين البلدين.
بقدر ما جاءت هذه الزيارة على شكل إيجابي للغاية٬ وبعثت التفاؤل والأمل على أصعدة كثيرة منها السياسي٬ ومنها الاقتصادي مع عدم إغفال الأمني والعسكري٬ إلا أنها جاءت «صادمة» و«محطمة» لأكثر من فريق وأكثر من فصيل. إيران مثلاً هي أكبر الخاسرين نتاج هذه الزيارة٬ فأكبر وأهم دولتين في المنطقة توحدان جهودهما وتتفقان بنظرة استراتيجية طويلة المدى على التعاون العملي على منع التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية٬ ولا يبدو أن أحًدا مقصوًدا بذلك مثل إيران ومشروعها الثوري التوسعي.
وطبًعا هناك فصيل جماعة الإخوان المسلمين الذين راهنوا ورّوجوا بشدة وضراوة أن العلاقات بين السعودية ومصر تدهورت٬ وأن الشرخ حصل في العلاقة ولا يمكن أن تعود إلى ما كانت عليه٬ وكانوا دوًما ما يرددون هذه الأقاويل بشكل مكثف.
وكذلك كانت أبواق تنظيم حزب الله الإرهابي تردد أن مصر ستبتعد عن السعودية وتختار لها طريًقا مختلًفا٬ وكانت لدعم هذه المقولة تنشر الأكاذيب تباًعا.
وطبًعا هذا الحراك السعودي المصري المميز جاء ضربة لمن دعوا وما زالوا يدعمون مشروع الإخوان المسلمين في المنطقة٬ وهو في الوقت ذاته رسالة واضحة بأن السعودية ترمي بثقلها لدعم مصر٬ وذلك لأن زعزعة الاستقرار فيها ينعكس على سائر الدول العربية٬ التي تسعى في الوقت ذاته إلى تكوين علاقات مميزة ومحترمة وسوية مع الآخرين.
بشار الأسد ونظامه المتهالك لا يمكن أن يكون سعيًدا ولا مطمئًنا لهذه الزيارة ونتائجها٬ فلقد جند أبواقه الإعلامية في سوريا ولبنان٬ لترويج فكرة أن النظام السوري يلقى دعًما بلا حدود من مصر٬ وأن مصر ستضحي بعلاقاتها مع السعودية لأجل بشار الأسد. ولعل التغطية الإعلامية لهذه الزيارة في الأوساط الإعلامية المحسوبة على نظام الأسد٬ هي أكبر دليل على حجم الصدمة والحسرة التي أصابتهم.
دولًيا يقرأ المجتمع الدولي ويتابع باهتمام (خصوًصا روسيا والقارة الأوروبية) تطورات الزيارة والاتفاقيات الاقتصادية التي تم إبرامها٬ لأن في ذلك فوائد منتظرة وستكون ملموسة لمصلحة السوق الأوروبية.
من الطبيعي أن يتم التركيز في زيارة «ثقيلة» من هذا النوع٬ على الأطراف المستفيدة ومتابعة النتائج التي ستسفر عنها٬ ولكن من المهم جًدا التمعن في الأطراف الخاسرة المصدومة٬ وذلك لمعرفة ما كان من الممكن أن يكون٬ ووقتها تعرف وتظهر حجم الكارثة التي كانت بانتظار المنطقة ككل.