استعانة وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف بالإعلام الأميركي للتحريض (الإضافي) ضد السعودية، يتمم استعانة الجنرال قاسم سليماني بالطيران الأميركي والخبراء الأميركيين لدعم معاركه في العراق تحت لافتة محاربة «داعش» وبالطيران الروسي والخبراء الروس لدعم معاركه ضد الثورة السورية. وهي في كل حال، معارك تضمر في المخيال الإيراني إزاحة طرف خطر ينافس طهران على بعض من الواقع والقرار العراقيين أكثر من كونها تصدياً مبدئياً وعملياً لعبث إرهابي تام لم تستفد منه دولة أكثر من إيران! مثلما أنها في سوريا تضمر ترسيخاً لذلك القوس المذهبي الممتد من شواطئ قزوين إلى شواطئ المتوسط!
قبل ذلك كان مُلاحظاً، أن الإيرانيين أرسلوا منذ أكثر من عام رسائل واضحة إلى الإسرائيليين تقول من وراء غلافاتها الغاضبة، أن شأنهم مؤجل! وأن الأولوية هي للسعودية دون غيرها! ثم خرج، قبل أيام معدودة، ومن قلب طهران، من قال إن السعودية «أخطر» من إسرائيل!
أي بمعنى آخر، تبدو إيران مستعدة لاتخاذ أي خطوة وأي موقف وأي قرار في سبيل ما تريده في ديار العرب والمسلمين.. وهذه تعني استسهال التنازل والانكفاء أمام الأميركيين في الموضوع النووي «الحسّاس» على ما درج عليه الوصف في فترة المفاوضات بشأنه.. وتطمين الإسرائيليين، بالنصّ والميدان، إلى النيّات المعلنة والمضمرة تجاههم. بدءاً من الهدوء غير المسبوق في «جبهة» جنوب لبنان، ثم توجيه كل «قدرات» التوابع وفي مقدمهم «حزب الله» إلى الشق الفتنوي الإسلامي الداخلي، وصولاً إلى محو أي ذكر لمصطلحات «الإبادة» و«الغدّة السرطانية» التي أنعشها أحمدي نجاد، وأوصلها إلى مراتب النشيد الوطني في فترة رئاسته!
وذلك في الإجمال أداء مألوف من قبل الإيرانيين وتحديداً لجهة جعل المبالغة غير المفهومة وغير المبررة، واردة عندهم في كل شأن أياً تكن طبيعته! ما يعني (مثلاً) الدخول في النكبة السورية بالطريقة التي دخلوا فيها منذ خمس سنوات. حيث القتل والفتك والتهجير والتدمير مجرد «مسائل» لا تثير لديهم أي أسئلة! ولا تهيّج أي انفعالات ذات طابع إنساني! أو آتية من كون الضحايا هم عرب ومسلمون! مثلما لا تعني «مشاركتهم» في حروب العراق وتسبّبهم بالجزء الأكبر من بلاياه ومصائبه أي شيء خارج سياق هوسهم بالسيطرة وادعاء التمكّن. مثلما لا يعني وضعهم المعطى المذهبي في رأس جدول الأعمال وجعله عنواناً للحشد والتعبئة، أي تهيّب من استدعاء الفتنة والنفخ في كيرها طالما أنها توصل إلى تحقيق شيء ما!
والأكثر غرابة، أن إيران التي خرقت كل سقف أو حد ممكن، وبطريقة لم يكن أشد معارضيها وأعدائها يتوقعها، وصلت في الأيام الماضية إلى ذرى أعلى مما سلف وسبق، من خلال المواقف الصاخبة في عدائيتها ضد السعودية، ثم توجيه مئات ألوف الإيرانيين إلى كربلاء كبديل عن عدم الذهاب إلى الحج في مكة المكرمة! ما أعطى ويعطي إشارات على خفّة مخيفة إزاء التعامل مع مقدسات الإسلام في خطوطه العامة والجامعة!
بمعنى آخر: لم يترك صاحب القرار الإيراني شيئاً لا في البيان ولا في الميدان إلاّ واستخدمه ضد الجوار العربي عموماً والسعودية خصوصاً! وحوادث الآونة الأخيرة، خصوصاً منها المواقف المعلنة بين طهران ونيويورك! تدل مع سوابقها الميدانية والسياسية في اليمن وسوريا مروراً بالعراق، على أعصاب إيرانية تالفة! وعلى سخط غير مفهوم وغير مبرر سوى أنه احد أبرز عوارض الخسران! أم ماذا؟!