كل يوم إضافي في عمر الأزمة السورية، يشكل إنتكاسة جديدة وواضحة بالنسبة إلى «حزب الله» الذي تتعمّق جراحه وتكبر مع كل طلعة شمس، ومن دون أن يتمكّن بعد خمس سنوات تقريباً على إندلاع الحرب هناك، من إيجاد حل يُسهم في التقليل من خسائره والحد من الإستنزاف الذي يطاله ويُلاحقه بشكل يومي في الداخل السوري، في وقت تقوم فيه قيادته السياسية بممارسة «فنّ» تقطيع الوقت وتعطيل الإستحقاقات ظنّاً منها بأن الغد يحمل ما هو أفضل لها ولعناصرها المُشتتين على جبهات الموت المتنقلة.
ما زالت معركة «حلب» تُعتبر العنوان الأبرز والفاصل بالنسبة إلى كل الجهات المُتقاتلة على الأرض السورية، لكن بالنسبة إلى «حزب الله»، يبدو أنها معركة مصيرية يطمح بالخروج منها بأقل الأضرار المُمكنة وهو الذي يقف عاجزاً عن إحراز أو تحقيق أي إنجاز من شأنه أن يقوي عزيمة مقاتليه في «حلب» و»إدلب» و»دمشق» و»القلمون». وحتّى فرضيّة الإنسحاب من «حلب» قد غابت كُليّاً بالأمس من قاموس الحزب أقلّه في المدى المنظور، خصوصاً بعد اعتبارها «أم المعارك» على حد وصف السيد حسن نصرالله لها، وكذلك بالنسبة إلى طاغية الشام بشّار الأسد.
إستنزاف «حزب الله» في حلب مُستمر، فأمس الأوّل، أعلنت «الشبكة السورية« أن «مجموعة من كتائب المعارضة تمكنت من أسر ثلاثة وعشرين عنصراً من «حزب الله« خلال تقدمهم في حي الحمدانية في مدينة حلب«. كما أكدت أن «مجموعة أخرى من قوات النظام أسرت داخل منطقة الراموسة، فيما قتل آخرون خلال تصدي مقاتلي الثوار لهجوم في المدينة«. وقد أتت هذه التطورات السريعة، عقب إعلان الثوّار بدء المرحلة الثالثة من معركة «الغضب لحلب» والتي دخلت يومها الرابع، والتي حققوا فيها تقدما واضحا على معظم الجبهات.
وبغض النظر عن صحّة المعلومات هذه والتي لم يُعلّق عليها «حزب الله» حتّى الساعة لا نفياً ولا تأكيداً، إلا أن جميع المؤشرات والمعطيات التي برزت خلال الفترة الأخيرة، تؤكد دخول «حزب الله« بأزمات مستعصية لا إمكانية للخروج منها إلا في حالة واحدة فقط، العودة إلى لبنان بعدما شتّت نفسه على الساحات الدولية والعربية وجعل من قضية «المقاومة« عنواناً للإرهاب في نظر الخارج، وشركة «مقاولات» في الداخل. ففي النظرة الأولى، أثبت الحزب أنه ومن خلال الجرائم التي يرتكبها بحق الآمنين والأطفال في سوريا، لا تقل شأناً عن تلك التي يرتكبها النظام والجماعات الإرهابية، بل وفي كثير من الأحيان تزيد عنها إجراماً وفتكاً، وهذا ما ظهر من خلال ممارساته في بلدتي «الزبداني» و»مضايا». أمّا في النظرة الثانية، فقد تحوّل «حزب الله» فعلاً، إلى «مقاول« وهو ما تدل عليه المفاوضات التي يُجريها ويشترط فيها على «السلل» الكاملة إضافة إلى العراقيل التي يضعها أمام أي عملية تسوية يُمكن أن تُنتج رئيساً للبلاد.
التخبط داخل «حزب الله» لم يعد يقتصر على العسكر ودوره في سوريا، بل إنسحب على السياسة التي ينتهجها وتحديدا داخل ما يُسمّى بـ»الصف الأوّل». اليوم يغيب التنسيق الفكري والزمني بين السيد حسن نصرالله ونائبه الشيخ نعيم قاسم، ففي وقت يُجاهر فيه الأوّل بأهمية معركة «حلب» وضرورة العمل على تحريرها حتّى ولو استدعى الأمر «ذهابي أنا» على حد قول نصرالله، نسف الثاني هذه الأهميّة ورمى بها إلى المستقبل البعيد وربما غير المنظور. يقول قاسم في حديث إلى وكالة «رويترز» منذ يومين: «إعادة السيطرة الكاملة على حلب ليست هدفا فوريا وتقسيم سوريا والعراق نتيجة محتملة نتيجة الإقتتال الطائفي«. مع العلم أن نصرالله وفي جميع إطلالاته، لا ينفك عن الإدعاء أنهم الجهة الوحيدة التي تعمل على منع التقسيم في سوريا وأن الحرب التي يخوضها هناك لا تمت بصلة لكل ما هو مذهبي أو طائفي. وهذا يدل أيضاً على أن للحزب طرحاً يقول «إن سوريا ستبقى موحدة طالما هي بقيادة بشار الأسد، أمّا إذا صار العكس، فذلك يعني أننا دخلنا في المجهول«.
على مدار الساعة، تصل إلى بيئة «حزب الله» جملة أخبار تتعلّق بتدهور الأوضاع في سوريا عموماً وفي «حلب» خصوصاً وإنتقال دفّة السيطرة فيها لصالح الفصائل السوريّة. يرفض البعض تصديق أخبار أو معلومات كهذه ويذهب إلى حد الإعتقاد بأن الحزب لا يُمكن أن يُهزم، كيف وهو الذي «هزم أعتى الجيوش في المنطقة، وهو أينما وجد هناك نصر؟«. هذه الأجواء يُشيعها قادة الحزب على الدوام داخل جمهورهم وهي على حد قول هذا البعض، خلقت نوعاً من التشتّت الفكري لديهم حول حقيقة قوّة الحزب والوعود بـ»النصر» التي يُغدقها عليهم. لكن البعض الآخر، أصبح موقناً أن «حزب الله» لن يعود منتصراً من سوريا، وأن أقصى ما يُمكن أن يقوم به، هو الخروج منها بتسوية تحفظ له ماء وجهه داخل بيئته.