اثبتت الانتخابات البلدية ان «التيار الوطني الحر» لا يزال حالة شعبية لم ترتق الى مستوى الحزب من حيث الالتزام وتنفيذ التوجهات، لا بل اكثر من ذلك حين يغرّد كل من البرتقاليين على هواه بعيداً عن اوامر القيادة وسط توصيفات تشير الى ان فلاناً ناشط في التيار لكنه لا يحمل بطاقة حزبية بحسب اوساط مسيحية، على عكس حزب «القوات اللبنانية» الذي اثبت عبر الاستحقاق البلدي انه على الرغم من حداثته كحزب قياساً على الاحزاب التاريخية يتمتع بهيكلية عز نظيرها وتراتبية لا غبار عليها تربط القيادة بالقاعدة في انضباطية صارمة وفق الاوساط والتي لا تخفي قلقها على مستقبل التيار البرتقالي الذي يشهد في فترات كثيرة اهتزازات وان كانت لا ترقى الى المستوى الزلازل فانها تندرج في خانة علامات الازمنة على قاعدة ان الاسباب تبشر بالنتائج.
وتضيف الاوساط ان الاستحقاق البلدي شكل غربالاً في الوسط البرتقالي حيث برز للعيان ان ثمة خطين يتصارعان داخل التيار، الحرس القديم الذي واكب العماد ميشال عون في احلك الظروف والمجموعات الشبابية التي لم تبلغ مرحلة النضج السياسي جاعلة من التيار برج بابل، وهذا الامر يشكل مقتلاً للمسيرة البرتقالية، ولعل اللافت ان الاختلاف في التوجهات بين الجناحين اذا جاز التوصيف انعكس على القيادة انطلاقاً من القاعدة، وربما الامر برز بوضوح في بعض المواقع الانتخابية، انطلاقاً من الخلاف على المخاتير في الدائرة الاولى في بيروت ما دفع بالناشط زياد عبس الى التغريد بعيداً عن توجيهات الوزير نقولا الصحناوي، وانسحبت الصورة على الاستحقاق البلدي في جل الديب حيث عاكس النائب نبيل نقولا ارادة الرابية، وفازت اللائحة المناوئة للتيار وعلى الرغم من محاولة الرابية تلطيف الاجواء على قاعدة ان التيار لم يتبنّ اي لائحة الا ان ذلك لا يخفي الوجه الحقيقي كما اوعزت به القيادة للمحازبين البرتقاليين على صعيد الاقتراع.
وتشير الاوساط الى ان الصورة في جزين لا تختلف كثيراً على الصعيد البلدي، واذا كان التيار قد اكتسح المقعد النيابي عبر مرشحه النائب امل ابو زيد، الا ان هذا الفوز جاء مقطوع الرأس في جزين بسقوط رئيس بلدية جزين ورئيس اتحاد البلديات خليل حرفوش، اضافة الى انتفاضة الناشط العوني باتريك رزق الله وترشحه في وجه ابو زيد، ناهيك بخرق اللائحة البلدية باربعة مقاعد لصالح اللائحة المدعومة من المرشح للمقعد النيابي ابراهيم عازار، وما يعنيه الامر كون جزين معقل التيار وحصنه الجنوبي، ما يطرح الكثير من الاسئلة لدى المراقبين ويأتي في طليعتها لماذا تحول «التسونامي» نسمة ربيعية وما هو السبب الذي يقف وراء الضعف الذي بدأ يضرب مفاصل التيار البرتقالي؟
وتقول الاوساط ان هذا الضعف بدا واضحاً في بلدية جونية حيث خرقت اللائحة المدعومة من التيار بثلاثة مقاعد وان الفوز جاء بفارق اصوات ضئيلة تفاوت ما بين الـ50 صوتاً ولم يتعد 150 صوتاً علماً ان جونية هي عاصمة الجنرال كما وصفها وزارها مرتين عشية الاستحقاق البلدي وربما الفضل في الفوز يعود الى حركة العميد شامل روكز لما يملكه من صداقات في المدينة ومن رصيد وشعبية، اما الاسباب التي وقفت وراء انكسار هالة التيار في الاستحقاق البلدي فيردها بعض البرتقاليين الى الصراع داخل البيت الواحد، واذا كان «من يغادر التيار يغادر وحده» وفق هؤلاء الا ان المغادرة ولو متفردة تفقد البرتقاليين وجوهاً وطاقات هم بغنى عن خسارتها، فاذا كانت مغادرة الوزير السابق عصام ابو جمرة واللواء نديم لطيف الناشط التاريخي لم تترك صدى على الصعيد العوني فان الامر يعود الى هالة الجنرال و«الكاريزما» التي يمتلكها. وهذه الهالة ليست متيسرة بعد انتقال قيادة التيار الى الوزير جبران باسيل ولا «الكاريزما» فلا احد يشبه احداً ولا مجال للمقارنة لا من قريب ولا من بعيد بين السلف والخلف.