IMLebanon

الجسر المفقود لملء الشغور من بعد «جسر الشغور»

تقترب الذكرى السنوية (الأولى؟) للشغور الرئاسي، وسط تبلّد في الحياة السياسية الداخلية، إلا من ناحية صخب التحيّزات الإقليمية، والنزيف الدامي للشباب المجنّد من طرف «حزب الله» خارج الحدود الوطنية. 

وإذ يتجاوز تبلّد الحياة الداخلية مع الصخب الداخلي في ما عنى التحولات الإقليمية الجارية، يظهر أيضاً أنّ عام الشغور الرئاسي (الأوّل) كان مريحاً نسبياً من حيث إيقاع العمل الحكومي فيه، كما أنّ نبوءة التدهور الأمني المتعاظم لم تتحقّق، بل على العكس، فإن الوضع الأمني الإجمالي مال عموماً للتحسّن مقارنة بالسنوات الماضية، وخصوصاً في طرابلس، هذا اذا ما استثنينا، وإذا كان ممكناً أن نستثني أصلاً، محنة المخطوفين والشهداء من العسكريين اللبنانيين في قبضة الجماعات المسلّحة «الكافرة بالحدود الوطنية». 

لكنّ المفارقة الكبرى، أنّ المسيحيين، وعلى الرغم من إجماع عام لديهم بأنّ كل يوم إضافي من أيام الشغور الرئاسي فيه تهديد للميثاقية اللبنانية، إلا أنّ عاماً كاملاً من هذا الشغور لم يُحدث فيهم بعد تلك الصدمة، أو ذاك الخوف الخلاق الذي يجعلهم يتحرّكون بحيوية مثابرة، وضاغطة ميدانياً أولاً، باتجاه تأمين جلسة انتخاب للرئيس العتيد. فعلى الرغم من قلقهم المتزايد بإزاء الشغور، هم يتعاملون مع قصر بعبدا على أنه حق لأحدهم مضمون، ويبدون مطمئنين لأنّ الانقسام الإسلامي – الإسلامي لن يؤدي في نهاية الأمر الى تعديل العرف الدستوري، وهو ما يجعل الانقسام المسيحي – المسيحي في الموضوع الرئاسي يوحي للمعنيين به أنهم يتنافسون على شيء ثابت المعالم، مضمون، ولو طال الوقت. 

ويحصل كل ذلك على خلفية ما هو أكثر خطورة من حيثية الشغور الرئاسي نفسه. ذلك أن الخبر الأساسي، الذي لم يعد خبراً، من كثرة ما تكرّر، هو تخلّف نواب البرلمان عن الحضور تحت قبّته لانتخاب رئيس للجمهورية، أي تخلّفهم عن أحد واجباتهم، في حين يُفترض أن يقتصر حقهم على التخيّر بين المرشّحين، وليس على التخيّر بين تطيير جلسة انتخاب وبين اتاحة الانتخاب. وفرضاً يمكن للنواب أن يُطيّروا جلسة وجلستين للتفاوض السياسي، فهذا موعده، يفترض أن يكون، سابقاً على انتهاء عهد رئاسي، وفرضاً تأخروا شهراً وشهرين وثلاثة، لكنه الآن عام كامل، أو يوشك أن يكون، وليس ثمة رئيس، وهذا كفر صريح بألف باء النظام الدستوري. 

بل إنه، قياساً على حالة ترؤس العماد ميشال عون لحكومة مؤقتة بعد انتهاء عهد الرئيس أمين الجميل، فنحن اليوم، بدولة، فيها رئيس مجلس نواب شيعي ورئيس مجلس وزراء سني وحكومة وبرلمان يعتمدان مناصفة إسلامية – مسيحية، لكن ليس ثمة رئيس جمهورية مسيحي، بل منصب محجوز لأحد المسيحيين، الى أن يتفقوا في ما بينهم، أو الى أن يتاح لجلسة مجلس النواب أن تنعقد. أيضاً، بخلاف الفراغ الدستوري قبل سبع سنوات ونصف السنة، الذي سبقه إجماع متفاوت، إنما إجماع بين القوى المتخاصمة كافة، على توافقية العماد ميشال سليمان آنذاك، فليس ثمة حالة تقارن بهذا اليوم. ثمة قنوات حوارية بالطبع، لكنها في مشهد واحد مع ما يناقضها، من تبلد حياة داخلية، ومن صخب في الانشطار الإقليمي، ومن خشية متزايدة لدى الجناة حيال المحكمة الدولية، فضلاً عن الخشية «المستجدة» من بوابة جسر الشغور، وعلامات التفسّخ المتزايدة في جهاز النظام الفئوي الدموي في سوريا، ومن جملتها الأسلوب النتن الذي اعتمده هذا النظام للتخلّص من مسؤولين فيه ما كانوا «مقصّرين» أبداً من جهة ما عبق رصيدهم من أحوال النتانة. 

أن لا يشعر أحد بأنّ رئاسة الجمهورية ليست مجرّد مقعد محجوز الى أن تتغير الظروف، بل إنّ كل يوم فراغ هو يوم ندفعه من حاضرنا ومستقبلنا، ومن القواعد الميثاقية الأساسية لأي نظام قابل للحياة والتجدد في لبنان، فهذا هو الخطر بعينه، سواء ميّعناه في تبلّد حياتنا السياسية الداخلية، أو في صخب الانشطاريات الإقليمية، التي لا يمكن التعفّف عنها بالطبع، ولا يمكن انتظار وحدة وجهات النظر الداخلية حولها، إنما لا يمكن التعاطي مع الأمر الواقع، الممدد للفراغ، على أنه تحصيل حاصل، أو أنه مرتبط بكيت وكيت من الأحداث في المنطقة. فقبل أن تكون قضية الرئاسة قضية المسلمين سنة وشيعة، وقضية المحاور الإقليمية، والأزمنة النووية أو المهدوية، و»لعبة الأمم»، وما شاكلَ من مناخات، فهي أولاً كرة في ملعب الموارنة. والموارنة في عام الشغور (الأول) لم يظهروا، بشكل إجمالي، دينامية رافضة لتمادي هذا الشغور، وأكثر، ظهر أنّهم يمدّدونه بعدم اتفاقهم على مرشّح. صحيح أنهم لم يقوموا بالتعبئة الكافية لوعي خطورة تمدّد الفراغ، لكن من الناحية الأخرى، فإن المسؤول الأول عن الشغور هو من لا يسمح بتأمين النصاب للجلسة لعام كامل، في حين يسمح بتأمينها في قضايا أخرى. 

«حزب الله» مسؤول عن الشغور. الموارنة مسؤولون عن عدم تمكنّهم من الضغط بقوة ضد منطق استفحال الشغور. فأي جسر يمدّنا به، رئاسياً، «جسر الشغور»؟