في لقائه مع الرئيس عبدالفتاح السيسي يوم الإثنين 13 شباط 2017 خلال زيارته إلى مصر سمع الرئيس ميشال عون من الرئيس المصري بعض الإطراءات الشخصية والعامة مثل «إن ولاية الرئيس عون ستعزز وضْع لبنان كبلد للتعددية السياسية والتنوع الثقافي الذي تحكمه أُسس المشاركة والتوافق بين القوى السياسية المختلفة وستحفظه بعيداً من أي محاولات لجره والمنطقة إلى ساحة للصراعات المذهبية أو الدينية الغريبة عن منطقتنا…». وبدوره سمع الرئيس السيسي من ضيفه الرئيس عون إطراءات وتحفيزات مثل «إن مصر الإعتدال والإنفتاح، مصر السند المعقودة الآمال على الدور الذي يمكن أن تقوم به بقيادة الرئيس السيسي يمكنها إطلاق مبادرة إنقاذ عربية تقوم على وضْع إستراتيجية مشترَكة لمحاربة الإرهاب والعمل على إيجاد الحلول السياسية للأزمات الملحة في الوطن العربي وبالأخص سوريا…».
ومِن على منصة الأمانة العامة للجامعة العربية قال الرئيس عون من الكلام ما يوحي بأن جنرال لبنان كان في غاية إنسجام الرؤية مع جنرال مصر. ولأنها المرة الأُولى التي يقف فيها رئيس عربي متحدثاً مِن على منبر جامعة الدول العربية، فمن الطبيعي أن يقول من الكلام ما هو غير تقليدي، ويطرح من الأفكار ما من شأنه إدراج إسمه في قائمة القادة العرب الذين في استطاعتهم إذا هم عزموا أن يمارسوا وسط الأزمات المتفاقمة، المسعى الذي يوفِّق بين المتنافرين من الحكام وبالذات اولئك الذين يتمنون ضمناً وهم يعيشون تداعيات أزمة بلغ التعقيد فيها ذروته، أن يقتحم نظير لهم الساحة ويبذل من المسعى الحميد ما يجعل الوفاق ممكناً وإن كان ذلك في الحد الأدنى.
الإنطباع الذي أحدثه الرئيس ميشال عون بعد إطلالته العربية بدءاً بالمملكة العربية السعودية كان مشجعاً فقد أوحت له القيادة السعودية بأنها مع أي مسعى يمكن أن يقوم به.. إنما بعد تنقية الحالة السياسية اللبنانية من بعض الشوائب، أو على الأقل البدء بتنقية شائبة تليها أُخرى تتبعها شوائب. هذا الإنطباع حمل الرئيس عون عندما قام بزيارة مصر على أن يفصح عن رغبته القيام بدور المسعى الحميد والإنقاذي بالتعاون مع الرئيس السيسي وبتدعيم الملك عبدالله الثاني عشية إنعقاد القمة العربية أو خلال كواليس يوميْ الإنعقاد، من أجل تضييق مساحة الخصومات والحساسيات العربية.
وبعد الذي سمعه من إطراءات الرئيس السيسي ثم بعد زيارة مصر من الملك عبدالله الثاني وقبل ذلك من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ومباركة الجميع ضمناً للمسعى المأمول والذي يمكن البدء به في كواليس القمة العربية الدورية يوم 28 آذار الجاري المستضافة من الأردن في منتجع بجوار شاطىء البحر الميت… بعد هذا يباغَت الرئيس عون بما يجعل الحلُم بممارسة المسعى التوفيقي يرتبك وربما ينتهي كابوساً.
والأكثر إيلاماً للنفس أن العماد عون من بيت حليفه بوغت. وكانت المباغة صادمة لأن العبارات التي وردت في خطاب الحليف السيد حسن نصرالله ألغت تماماَ إمكانية أن يقوم الرئيس عون بما كان يتمنى القيام به. كما أن العبارات إياها جعلت اللبنانيين الذين تفاءلوا خيراً سعودياً وخليجياً بعد البشرى التي نقلها وزير الدولة لشؤون مجلس التعاون الخليجي ثامر السبهان الذي بات على ما يبدو حراكه والمهمات الموكلة إليه هو الذي يدير الملف اللبناني، يستعيدون حالة الإحباط التي طالما كانت معاناتهم قاسية من وطأتها. والذي نخشاه ليس فقط أن الذي وعدنا به الوزير السبهان لجهة عودة اخواننا السعوديين والخليجيين إلى سابق إطلالاتهم في مواسم السياحة والإصطياف وكذلك لجهة تسمية السفير الذي يعزز الحضور اللافت للقائم بالأعمال وليد البخاري، لن يحدث على نحو ما يتمنى اللبنانيون حدوثه على وجه السرعة، وإنما قد يُطوى الملف إلى يوم تحصل الدولة بركنيْها الرئيس ميشال عون وقد حصل على الضمانات المفقودة، والرئيس سعد الدين الحريري وقد تطوَّر الإتصال الهاتفي الذي تلقاه من وليّ وليّ العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، إلى ما نأمله جميعاً للعلاقات اللبنانية- السعودية، وبقدْر الأمل بأن يلبي الرئيس نبيه بري الدعوة الموجَّهة إليه من مجلس الشورى لزيارة المملكة، وهي تلبية باتت ضرورية بعدما زار طهران. ونشير تذكيراً إلى أن دعوة الرئيس بري لزيارة المملكة كان تلقَّاها يوم كان السفير الدكتور علي عواض عسيري يرتق بحيوية ملحوظة ما أمكنه الرتق من ثوب العلاقات السعودية- اللبنانية.
ونكرر القول إن الذي جرى ما كان ليحدُث لو أن ضمانات متبادلة ومكتوبة سبقت التوافق الذي حدث على أن يكون العماد ميشال عون هو رئيس الجمهورية وسعدالدين رفيق الحريري هو رئيس الحكومة. ولأن هذه الضمانات لم تصدر فإن الذي إنتهت إليه الإطلالة العربية كانت إنتكاسة. وبغياب هذه الضمانات من الحليف سيتوجه الرئيس ميشال عون إلى القمة العربية كمشارك ليس أكثر، مع أنه لولا الصدمة التي جاءت من أقرب طيف إليه كان سيُنظر إليه على أنه يُمثِّل بين أخوانه القادة الأخ الأصغر الذي يرى إستقرار لبنان مضموناً ووضْعه الإقتصادي مزدهراً وأمنه مكفولاً بإنحسار مساحة الخصومات بين بعض الأشقاء. ولذا فهو جدير بالمؤازرة.
كان الله في عون الرئيس عون.