«اختل توازنه فوقع…» كم مرة قرأنا او سمعنا هذه الجملة التي تعبر عن حا لة محددة عن سقوط شخص واصابته بكسور او رضوض بعدما اختل توازنه، ولم نعر هذه الجملة الاهتمام الكافي مع ان الحياة على الارض، واستمرارها مرتبطان ارتباطا وثيقا بالتوازن الذي يحكم تصرف الانسان، فالاختلال يعني السقوط، والتزام التوازن يعني النجاة من السقوط، وهذه المعادلة ليست وقفا على حركة الانسان فحسب، بل هي معادلة ذهبية تحكم تصرفاته جميعها، وهي تنسحب على كل عمل او كلمة او موقف او علاقة، واذا تبصرنا قليلا نجد ان التوازن اكثر من ضروري في التعامل بين الناس، الاقربين منهم والابعدين، وفي حالات الغضب والحب والحزن، والفرح، والمزاح، في الربح والخسارة، كما في القيادة والمسؤولية، وخصوصا في السياسة، ولان التوازن، هو نتيجة للتبصر والانتباه والخطوات والحسابات المدروسة، فان السقوط يعني غياب جميع العوامل الاساسية، لنجاح الانسان في الحياة، عموما وفي العمل السياسي، ومع الناس خصوصا.
هذه الافكار راودتني وانا اتابع المواقف والتصريحات السياسية التي تضج بها وسائل الاعلام في هذه الايام، وتزيد عليها من عندياتها احيانا، بحيث تتحول الهفوة عند بعض المسوولين الى عدم توازن يسبب «كسوراً ورضوضاً» معنوية وسياسية لصاحبها ويلزمها وقت طويل وعودة سريعة للتوازن، حتى تندمل وينتهي مفعولها السيء، فكيف اذا كانت هذه المواقف وهذه التصريحات منذ بدايتها غير متزنة وغير موزونة، فالضرر عندئذ يصبح كبيرا ومميتا، وهناك عدد ليس بالقليل بين السياسيين، مختل التوازن في تعاطيه مع الاخرين، لا فرق ان كانوا خصوما او حلفاء، لان من يتعود عدم التبصر والانتباه، لا يفرق بين حليف وخصم، والمشادات التي تحصل احيانا بين الوزراء والنواب وقد يكونون في خط سياسي واحد، خير برهان على ما اقول.
قد يفكر البعض، ان التوازن هو نوع من الوسطية او الحياد، وهذا غير صحيح، فالتوازن هو اخذ الموقف الصحيح وفي الوقت المناسب، وهذا لم يحصل في لبنان، حيث تكثر الاخلالات بالتوازن وعلى اكثر من صعيد، فهناك خلل في التوازن الديموغرافي بين المسيحيين والمسلمين يعود الى اكثر من سبب، ولكن اخطره ثلاث محطات، الوجود الفلسطيني المدني والمسلح،والوجود السوري المدني والمسلح، والعشوائية في اعطاء الجنسية، كما ان هناك خللا في التوازن الميثاقي بتغييب متعمد لانتخاب رئيس للجمهورية يتشارك فيه مسلمون ومسيحيون يضاف اليه اختلال التوازن في القوانين الانتخابية غير العادلة، اما الخلل الذي يتشارك فيه عدد من المذاهب، ويسقط التوازن بينها، فهو السلاح الذي يملكه حزب الله، ولا تملكه بقية المذاهب، ولم يستطع اللبنانيون التفاهم حتى على هذا الموضوع.
هذه المجموعة من الاختلالات في التوازن بين اللبنانيين من الطبيعي ان تخلف اضرارا وندوبا عميقة، تهدد الصيغة اللبنانية القائمة على التوازن الدقيق بين الطوائف والمذاهب، وبالتالي، فان اشاحة الوجه عنها وعدم الاكتراث بها، كما يحصل الان، سيسببان عاجلا ام اجلا، انهيار الكيان والنظام، المتأتي عن انهيار الدولة والصيغة وعندها، وبعد فوات الامن، سيشعر اللبنانيون الغارقون الى ما فوق رأسهم في عدم التوازن، وفي دولة فاشلة، انهم ارتكبوا خطيئة العمر عندما فشلوا في تصحيح توازنهم المختل، فوقعوا جميعهم..