IMLebanon

الأمل المفقود

 

أرجأت مؤسسة «ستانتدر أند بورز» تقريرها المتضمن خفض تصنيف لبنان الإئتماني من B إلى CCC ستة أشهر جديدة، بعد ما كان مقرراً إصداره اليوم الجمعة، معطية بذلك الدولة اللبنانية فرصة جديدة وأخيرة للعمل بكدّ وجدّ من أجل تحقيق الإصلاحات المطلوبة في هيكليتها لكي تحافظ على التصنيف الحالي أي على B، وقد نزل هذا الارجاء برداً وسلاماً على أهل الحكم، فتنفسوا الصعداء بعد حبس أنفاس طويلة وتوجس وقلق شديدين من تداعيات هذا التخفيض السلبية على سمعة لبنان الدولية.

 

وإذا كانت المعلومات التي تسربت أمس عن مجلس الوزراء تقول ان الفضل في إرجاء صدور قرار تصنيف لبنان الانتمائي يعود إلى الجهود الحثيثة التي بذلها الرئيس سعد الحريري مع المراجع الدولية ولا سيما مع الولايات المتحدة الأميركية موظفاً بذلك كل علاقاته معها هي التي أدت إلى إقناع مؤسسة ستانتدرد أند بورز لإرجاء قرارها ستة أشهر جديدة لافساح المجال أمام الحكومة اللبنانية لتحقيق الإصلاحات المطلوبة والتي من شأنها أن تحافظ على التصنيف الإنتمائي الحالي B للبنان، وتجنبه تبعات التخفيض إلى المرتبة الثالثة أي C.C.C، لكن الامر بعد ذلك يطرح عشرات الأسئلة الصعبة وأول هذه الأسئلة ماذا بعد؟ وبكلام أكثر وضوحاً، ماذا لو عجز لبنان أو فشل في التجاوب مع المتطلبات الدولية الرامية إلى تنفيذ إصلاحات الضرورة القصوى المفترض أن تجنبه تجرع كأس خفض التصنيف المرّ أو ماذا لو إنقضت مهلة الستة أشهر الإضافية من دون انجاز المسار الاصلاحي الذي يقال ان اجتماع القصر الجمهوري اتفق على خطوطه العريضة، ووضع خريطة الطريق التي تؤدي إلى النتائج المرجوة وفق ما عبر عنه رئيس الجمهورية عشية انعقاد جلسة مجلس الوزراء في القصر الرئاسي في بيت الدين، وكيف سيتم التعاطي عندئذ مع لبنان حينما يصبح ورقة ساقطة سياسياً واقتصادياً، ماذا لو استمرت المناكفات والزكزكات والكيديات التي شكلت السبب الرئيسي في عدم تمكن حكومة إلى العمل من تنفيذ أي من الخطط الاصلاحية التي يُمكن أن تشكّل حجة يستفيد منها لبنان لكي يحافظ على وضعه بالنسبة إلى المجتمع الدولي. بل ماذا لو أدت هذه المناكفات والكيديات إلى تأخير إقرار موازنة 2020 وحالت دون وضع الدولة كلها في حالة الاستنفار المطلوبة لمواجهة التحديات على سكة التنفيذ، وهناك مؤشرات كثيرة خرجت من وراء الكواليس لا تبعث على الاطمئنان بأن جميع المعنيين إتعظوا من الوضع الذي وصل اليه لبنان وقرروا التخلي عن سياساتهم التي كانت السبب الرئيسي في ما آلت إليه الأوضاع العامة من تردٍّ ومن تخبط وبالنتيجة وهذا هو الأهم ماذا لو لم يتعظ هؤلاء من تجارب الماضي ومضوا في تقديم مصالحهم الخاصة على المصلحة الوطنية.

 

الثابت الوحيد في مجمل المشهد الإرجائي لتصنيف لبنان الانتمائي هو إنه ما زال يحظى بمظلة خارجية منحته إرجاء الأشهر الستة ولو كانت مشروطة بوجوب إطلاق ورشة الإصلاح الحقيقي التي ما زالت تمنيات أو رغبات أو وعود يطلقها بعض المسؤولين عندما يسأل عنها، والمسؤولية هنا تقع على الحكومة لتثبيت التزام لبنان جدياً باستثمار فرصة الوقت الخارجي الضائع لتلملم أوضاعها، وتحسِّن سمعتها عند المجتمع الدولي، فتعيد بذلك بعضاً من الثقة المفقودة به نتيجة سوء الإدارة من جهة، والجنوح غير المحدود نحو الاستئثار والتفرد على حساب المصلحة الوطنية العليا، وأول دليل على صحة ذلك، وبالأحرى أول مادة في الامتحان كانت تعيينات المجلس الدستوري التي طرحت من خارج جدول أعمال الجلسة الثانية التي عقدت في أعقاب أزمة قبرشمون – البساتين وإن دل هذا الامتحان على شيء فإنما يؤكِّد للمرة الألف بأن الأمل بات مفقوداً في تغيير الذهنية السائدة، وان الأيام المقبلة لن تكون أفضل على لبنان من التي سبقتها.