يبدو ان الاستنفار الواسع لاركان الدولة اللبنانية وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية لحصر تداعيات ومضاعفات الاستقالة الحريرية «المجهولة» الدوافع والخلفيات، لم تفض حتى الساعة الى تحقيق الخرق المتوقع على صعيد عودة رئيس الحكومة الى بيروت، رغم انتقاله امس الى الامارات في رسالة رد ترددت اصداءها في بيروت متحدثة عن سيناريوهات للعودة ليس آخرها برفقة السفير السعودي الجديد، دون ان يحجب كل ذلك ضجيج الاجتماعات واللقاءات الجارية في بعبدا، والتي كان نجماها الرئيس السابق اميل لحود، والنائب سليمان فرنجية، في دلالة واضحة الى خطورة المأزق التي تمر به البلاد.
ففي بعبدا حيث لا تهدأ الحركة على مدار الساعة، في تحضير جداول مواعيد الاستشارات «غير الملزمة» ومتابعة التقارير والاتصالات الجارية، يتحكم بحركتها ثلاث هواجس اساسية تؤرق الرئيس عون، المصر على تفكيك الغامها، ففي الامن نجح في ايصال رسالة تطمين مفادها «الامر لي»، وتعليمات باستمرار العمل بالوتيرة السابقة نفسها وسط جزم قاطع بعدم اهتزاز الغطاء السياسي المعطى لها، بل تعزيزه ودعمه، اما اقتصاديا فقد نجح القصر الجمهوري مع مبادرة حاكم مصرف لبنان بالتعاون مع القطاع المصرفي من تنفيذ خطة الطوارئ التي سمحت بضبط الساحة المالية،وان كان الغموض لا زال يحيط بستقبل مؤتمر باريس 4، فيما هدف الرئيس عون من اللقاءات السياسية تعزيز مظلة التوافق في حدها الادنى الكافي لضمان استمرار الاستقرار الذي تشهده البلاد، حيث مسؤولية الفرقاء تقضي بعدم نقل الصراع الى الشارع.
اوساط التيار الوطني الحرّ ابدت استغرابها لتعجب البعض من مواقف وزير الخارجية وحركته في ظل الازمة الراهنة مشيرة الى ان الاخير يتحرك بالتنسيق مع رئيس الجمهورية، كما ان التيار ومن منطلق وطني لن يرضى بان تشعر اي طائفة او مكون بانه مستهدف او هناك محاولات لعزله معتبرة ان الشراكة بين التيارين البرتقالي والازرق كانت ايجابية وسمحت بتحقيق انجازات كبيرة كانت كفيلة لو استمرت لنقل لبنان الى مكان آخر، آملة ان تنجح الوساطات الدولية والداخلية الجارية في اعادة الامور الى نصابها في اقرب وقت ممكن، عازية الاهتمام الاساس الى ضرورة الالتزام بمن اختارته الطائفة السنية ممثلا لها حتى اشعار آخر، مشددة ان ما طالب به التيار يوما لنفسه لن يقبل باقل منه لغيره.
وفي هذا الاطار كشفت الاوساط ان التيار الوطني الحر سيبقى «حزب رئاسة الجمهورية» وانه في الازمات الوطنية لا يتحرك الا من وحي مواقف الرئيس عون ، مقرة بان التسوية الرئاسية اهتزت لكنها لن تسقط، داعية الجميع الى التعامل بايجابية والى ملاقاة بعبدا في الوسط عند مساعيها التي بداتها داخلية وخارجيا والتي ينتظر ان تتوسع مروحتها لتشمل شخصيات اضافية في الايام المقبلة، نافية تعرض رئيس الجمهورية لاي ضغوط لقبول الاستقالة معيدة التساؤلات في هذا الخصوص الى بيان المكتب الاعلامي، خاتمة بان الهدف الرئيس للعهد حاليا الحفاظ على الاستقرار وتمرير فترة الاعياد وقطع الطريق على اي محاولات لسحب رعايا او منع رعايا من القدوم الى لبنان في ظل التوقعات بموسم اعياد واعد.
من جهتها اكدت مصادر سياسية متابعة ان رئاسة الجمهورية لا تحسد على موقفها، وان ثمة احساس في الصالونات السياسية عن خطة هدفها الفصل بين حزب الله والرئيس عون تمهيدا لعزل الحزب، مستدركة ان خطاب السيد الايجابي يوم الاحد الماضي انما جاء بعد سلسلة اتصالات مباشرة وبالواسطة بين بعبدا وحارة حريك اللتان استنفرتا كل قنوات الاتصال بينهما، مبدية اعتقادها ان مهلة السماح «الاقليمي» للسيد تسقط يوم الجمعة، اذ في حسابات حزب الله ان عدم عودة الحريري الى لبنان قبل الخميس تعني عمليا في ظل تصعيد الوزير السبهان ان الرياض قررت قطع كل الخطوط الحمراء وبالتالي سيكون الخطاب تصعيديا في مواجهتها على الصعيد الاقليمي مع المحافظة على التهدئة داخليا حتى اشعار آخر.
وفي هذا الاطار كشفت المصادر ان الحريري لن يعود الى لبنان قبل اكتمال ملامح خطة المواجهة التي ستعتمد من قبل الرياض، في الفترة المقبلة وقبل اتمام الاتفاق حول نقاطها، وان كل محاولة «استدراجه» لن تنفع، وهو كان دعا في هذا الاطار احد محدثيه الى الطلب ممن يشكك بظروف تواجده في الرياض الى زيارته ولقائه للتأكد من اعتقاله او وجوده في الاقامة الجبرية، عازية امتناعه عن الاجابة على المتصلين الى انه لا يملك حاليا تصورا واضحا للفترة المقبلة ولذلك فهو يفضل عدم الادلاء باي موقف حول التطورات الحاصلة، وحول الحديث المتكرر عن محاولة الاغتيال او ما بات يعرف بمسألة التشويش اكدت ان الملف بات في عهدة من يعنيهم الامر من جهات خارجية ليبنى على الشيء مقتضاه.
ووسط ضياع المختارة الواضح والذي يمكن قراءته من تكليف نجله تيمور لتمثيله في لقاءات بعبدا اعتبرت المصادر بان السعودية ارسلت اكثر من اشارة في الايام الماضية حول عزمها الذهاب في المعركة الى النهاية، كان اهمها الى جانب التغريدات العنيفة للوزير سبهان، تهديد القوات اللبنانية بالاستقالة والذي لم يكن سوى تردادا لصدى ما لمسه رئيس حزب القوات اللبنانية خلال زيارته للمملكة.
خرج موضوع الاقامة الجبرية من التداول ام لا، صحة المعلومات حول محاولة الاغتيال ام كذبت، الاكيد ان مرحلة جديدة بدأت بعدة قديمة حتى الساعة، في الوقت الذي تقدمت فيه دار الفتوى الصفوف مع تراجع القيادات السنية، وسط حديث عن قمة سنية ستخرج بموقف موحد عنوانه «الحريري او لا احد».