Site icon IMLebanon

ضاعت الطاسة، وما زالت الحلول متعثرة

أخبار الأمس، أعادت الأوضاع إلى نقطة تُقارب الصفر، وأثقلت عليها أعباء جديدة أضيفت إلى الأوزان الثقيلة التي وضعتها المشاورات المستمرة حول قانون انتخابات جديد، حيث برزت مجموعة مشاريع خلافات مستجدة أدخلت إلى الصراعات القائمة، موضوعا جديدا متمثلا بالدعوة التي وجهت إلى رئيس الحكومة من قبل المملكة العربية السعودية لحضور القمة التي ستعقد في الرياض، وبصورة خاصة بحضور ومشاركة رئيس الولايات المتحدة، وعدد مختار من ممثلي الدول العربية والخليجية والإسلامية.

وبعد الإشكالات التي ما زالت قائمة حول مشروع القانون الإنتخابي المنتظر، وبعد تجميد التحرك التوفيقي الذي قاده الرئيس بري ولجوئه إلى إطفاء محركاته، والتهيؤ لتحضير أوراق جديدة للطرح والتنفيذ سواء ضمن المجلس أو خارجه، بما أوحى بتهيئة الأجواء لمستجدات حامية الوطيس سواء ضمن إطارات المجلس أو خارجه.

وبعد أن أطلق التيار الوطني الحر ممثلا برئيسه الوزير جبران باسيل، العنان لنفسه ولحزبه، ممسكا بزمام المبادرات الساعية للوصول إلى حلّ ما للقانون الذي لم يعرف حتى الآن مرفأ توافقيا مناسبا تتوجه إليه سفينة العهد الجديد لترسو بأمان واطمئنان، وتطورت مبادرته إلى حد استعارة ما أمكنه من الأساليب الساعية إلى فرض مشروع ما متناسب مع أسلوبه عالي النبرة في الترويج للمطالب وفي السعي لتحقيقها وربما لفرضها، وتوصلت مواقفه الأخيرة إلى تصلب متجدد ومتفاقم من خلال اصراره على مشروعه باعتماد قانون يبدأ بمرحلة تأهيلية ينتخب فيها كل مذهب، من يمثله في انتخابات عامة لاحقة وتكون إرادة الشعب اللبناني بكل نزعاته الوطنية مدعوة إلى اختيار من افرزهم الخيار المذهبي الأول.

وكانت هذه العودة إلى صميم الخيارات الطائفية التي باتت تدفع بالبلاد إلى حافة الهاوية الكيانية والميثاقية معا، رغم التفريق الذي بيّنه الوزير باسيل ويطالب بالخيار التأهيلي ميثاقيا وليس طائفيا.

وبعد أن بدا واضحا بأن هذا التحرك المستجد، قد أعاد إلى اذكاء اللغة الطائفية والمذهبية بكافة أشكالها وألوانها «وإبداعاتها» في الإستنباط ويبدو أنه قد أعاد إلى الثنائي المسيحي بعضا من العودة السريعة إلى التماسك ضمن الصف الواحد والتوجهات الموحدة ما بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية تمثل في اجتماع لممثليهما لتدارس المستجدات القائمة.

وبعد أن عاد الدس المقصود الذي أثاره البعض حول ثنائية مسيحية – إسلامية سنية، هي قيد التأسيس، ها هي بعض أجواء الثنائي الشيعي وقد أطلقت إلى الأجواء السياسية الملتهبة، مزيدا من الالتهاب والخطورة، حيث حركت قضية تمثيل لبنان في قمم الرياض الأميركية – العربية – الإسلامية وتوجيه الدعوة بصددها إلى رئيس الحكومة لتمثيل لبنان، فكان هناك نوع من الاعتراض على شكل الدعوة واقتصارها على الرئيس الحريري، بما قيل بأنه يتجاوز الإطارات السياسية والميثاقية المعتمدة في لبنان، كما كانت هناك تحفظات في الأساس على المواقف التي سيتخذها رئيس الحكومة في تلك القمم، والمتعارضة مع النهج السياسي الذي يتخذه الثنائي الشيعي وبالتحديد، حزب الله، خاصة منه ما تعلق بتمثيل لبنان في قمم يحضرها رئيس الولايات المتحدة، وبالموقف الذي سيتخذه رئيس الحكومة في تلك القمم. ولا يخفى أن هذا الأمر هو من قبيل طرح الأمور للمعالجة على صفيح ساخن، ومن شأنه أن يخلق عدّة معضلات كانت حتى الآن مستأخرة التداول والمعالجة، كما أن من شأنه تأزيم الأوضاع العامة بعد أن تواجهت المواقف على اختلافها، بما قد يؤدي إلى قلب عدد من الطاولات وتشابك حطامها مع الحطام السياسي الذي يزداد ضبابية وخطورة.

كل ما أوردناه، يشكل بالنتيجة استمرارا في التناتش للمواقع والمكاسب الشخصية والطائفية، الذي ما زال مستمرا لدى أكثر من جهة، ولأسباب تتواكب مع تلك التي ذكرناها أعلاه، ويبدو أن فريقين اثنين يسعيان إلى حلحلة التشنجات القائمة حول اعتماد وإقرار القانون الانتخابي وهما الوزير جنبلاط، الذي دعا مؤخرا إلى التوقف العام عن الحقن الإعلامي نظرا للظروف الخطيرة التي يمر بها لبنان والمنطقة في هذه المرحلة التي تشهد صراعات حادة ما بين القوى العظمى والكبرى في العالم، وهي تصبُّ في أوجها الملتهب في هذه المنطقة من العالم التي يتواكب فيها الإرهاب بوجهيه السني والشيعي مع مصالح العالم الغربي بكل تناقضاته ومضارباته المتمثلة على وجه التحديد في مواقع الصراع الملتهب في كل من سوريا والعراق واليمن والمرشح بصورة تصاعدية إلى مدّ لهيبه إلى بلدنا المنكوب بزعمائه اللاهثين نحو السلطة والتسلط، أما الفريق الآخر الداعي إلى الوفاق والتهدئة وانقاذ الوضع اللبناني من براثن الإرهاب وأهوال التدخل الخارجي على اختلاف أشكاله وألوانه ونزعات التقسيم التي تراود أفكارها الشيطانية اذهان المخططين الكبار القابعين في غرفهم السوداء لاعتماد ما يرونه الأصلح لمصالحهم من خرائط يتوزعون نتاج الشحطات القلمية التي يرسمونها وفقا لنوعية وحجم الأرباح التي يبتغيها كل منهم كائنا ما كانت كلفتها من أرواح وأنفس ودمار وأعمال قتل وحرق لجثث المقتولين في السجون السورية وإبادة جماعية وترحيل السكان وتهجيرهم إلى الداخل والخارج كما هو حاصل في هذه الأيام الحافلة بالمصائب والمواجع والمآسي، هذا الفريق يمثله الرئيس الحريري الذي يضع نفسه في طليعة الساعين إلى انقاذ البلاد والعباد من أهوال ما هو قائم وما هو منتظر.

لا تقول فول تيصير بالمكيول، قالها الرئيس برّي مؤخرا بعد أن أوقف مساعيه التوفيقية، وكم يتشوق المكيول إلى الفول، بما يؤدي إلى لجم كل هذا الفلتان السياسي بإطاراته كافة باتجاه تحصيل الأكثريات النيابية، من دون أن ننسى بقية النقاط المستعصية على التوافق، حتى إذا ما حصلت المعجزة وكان ذلك الإجماع المطلوب حول قانون ما، نسبي التوجه والمعالم، لن ننسى وجوب الإتفاق على تقسيم الدوائر وتوزيع المقاعد ونقل بعضها من دائرة إلى دائرة، آملين أن يكون تفاؤل المتفائلين في محلّه الواقعي المنتج، مع إشارات لدى الكثيرين من أهل الإطلاع الواسع على ضوء التطورات الدراماتيكية الأخيرة، إلى أننا نسير في واقع الأمر، نحو حلّ من حلين: إما العودة إلى قانون الستين الذي تمادى البعض في شيطنته إلى درجة التحريم المطلق، وإما التمديد للمجلس القائم، الأمر الذي يرى فيه القانونيون اغتصابا للسلطة، وإن ظلت أمور البلاد والعباد قابعة في سجونها الطائفية وتخلفها في الحكم على واقع الحلول، فسيكون الفراغ القاتل هو الحلّ الذي سيفرضه الجميع على أنفسهم في نهاية المطاف الظالم والمظلم.