IMLebanon

الوقت الضائع

 

نجح النائب ميشال عون، بعد أن أطلق مبادرته الرئاسية، في تجميد الحملات التي تستهدفه داخل الصف الماروني كونه يتحمّل وحده مسؤولية بقاء الدولة بلا رئيس لها مُـدّة سنة كاملة بسبب عزوفه عن النزول إلى مجلس النواب لانتخاب الرئيس وإنهاء أزمة الشغور في رئاسة الجمهورية، رغم معرفته التامة بأن لا أحد من القوى السياسية العاملة على الساحة الداخلية، بمن فيهم الرئيس نبيه برّي وحزب الله، مستعد لفتح الباب أمام تعديل الدستور حسب مقتضيات المبادرة خوفاً من أن يتسبّب ذلك في إدخال البلاد في أزمة إعادة تكوين السلطة لا تنتهي إلا بعد تأليف هيئة تأسيسية، وفقاً لما يطالب به منذ سنتين أمين عام حزب الله، وهذا معناه إدخال البلاد في أزمة نظام لا تنتهي إلا برضوخ كل القوى لمطلب حزب الله القاضي بالمثالثة، والتي تعني دفن المناصفة بين المسلمين والمسيحيين التي حافظ عليها اتفاق الطائف رغم ما عليه من اعتراضات حرصاً من الآخرين على احترام الوجود المسيحي، بصرف النظر عن التبدّل الديمغرافي الذي لم يعد لصالحهم.

ويَعرف النائب عون نفسه، أن هناك استحالة في الأخذ بمبادرته لأنها جاءت في ظروف يستحيل معها إجراء تعديلات جوهرية على دستور الطائف، كما جاءت مخالفة للميثاقية التي تقوم على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، فضلا عن كونها ميّزت بين المسيحيين، الذين أعطتهم المبادرة وحدهم دون سواهم من الطوائف الإسلامية حق المشاركة في الاستفتاء الشعبي على الرئيس قبل انتخابه من قبل النواب، الأمر الذي يستحيل أن تقبل به قيادات هذه الطوائف، فضلاً عن أن الاقتراح العوني يقتضي حكماً تعديلات دستورية ليس أحد في وارد القبول بها في ظل الظروف الاستثنائية الحالية، بحيث أن أحداً يعرف كيف تبدأ ولا يعرف إلى أين ستصل هذه التعديلات في ظل شعور الطائفة الشيعية بالغبن بالنسبة إلى ما أتى به اتفاق الطائف.

كل هذه المقدمات، تدل على أن النائب عون يعرف أن مبادرته لن تمرّ، ورغم ذلك تمسّك بها، بحيث استخدمها في الوقت الحاضر لردّ تهمة تحميله مسؤولية تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية، وتفويت هذه الفرصة التاريخية على المسيحيين الذين باتوا، بسبب مماطلة عون وإصراره على تعطيل الانتخابات الرئاسية، يشعرون بالقلق العميق على خسارة هذا المركز العالي الوحيد المتبقي لهم في هذه المنطقة، وليتحوّل وجودهم في لبنان إلى وجود ذمي، لا أكثر ولا أقل، الأمر الذي يسرّع في تفريغ لبنان من الوجود المسيحي، وهذه مسؤولية كبيرة وخطيرة يتحمّلها رئيس تكتل التغيير والاصلاح بسبب إمعانه في تعطيل الاستحقاق الرئاسي متجاهلاً تماماً إرادة المسيحيين في إنجاز هذا الاستحقاق اليوم قبل الغد، حتى لا يضيع من بين أيديهم ويصبحون شبه لاجئين في وطنهم، والنائب عون يعرف ذلك، لكن نَهَمَه للوصول إلى رئاسة الجمهورية جعله يمضي في خطة تعطيل الانتخابات الرئاسية على أمل أن يرضح الآخرون من القيادات المسيحية والإسلامية للأمر الواقع، ويسلمون بانتخابه، وتستمر لعبة الشغور إلى سنة وسنتين وعدة سنوات.