قلنا منذ أن دعا الرئيس نبيه بري إلى الجلسة الأولى، بأنه حوار عقيم، لن يودي سوى إلى «تقطيع» الوقت، لأن المشكلة أو المشاكل التي يُعاني منها هذا البلد خارجية وليست داخلية، وما دامت كلمة السر بالافراج عنها لم تأتِ بعد، فلا معنى ولا جدوى من الحوار الذي سيكون أشبه ما يكون بحوار الطرشان على الطريقة العربية أو بالجدل البيزنطي على الطريقة اليونانية القديمة، وجلسات الحوار الثلاث الماضية وما دار فيها من حوارات وجدل بين المتحاورين أو المختلفين كانت كافية للتدليل على أن لا جدوى ولا فائدة مرجوة من هذا الحوار لأن الحلول التي تطبخ في الخارج للأزمات التي تعصف بالمنطقة ويتأثر بها لبنان لم تنضج بعد حتى لا نقول انه لا يزال أمامها الكثير من المطبات والعقبات والتعقيدات بين الدول ومصالحها، وإذا بالتدخل العسكري الروسي في سوريا بهذه الصورة التي يشهدها العرب ويشهدها معهم العالم، تزيد من تأكيد المؤكد على أن المنطقة كلها وليس لبنان وحده أو سوريا وحدها أو العراق وحده مطروحين على طاولة اللعبة الدولية بل المنطقة كلها مطروحة أيضاً وأن لا أحد غير اللاعبين الأساسيين يعرف شيئاً عن النتائج التي ستؤول إليها هذه اللعبة الدولية، وإن كان البعض تنبأ أن تنتهي بسايس بيكو جديد، أي بتقسيم هذه المنطقة إلى دول طائفية ومذهبية وعرقية وإثنية ضعيفة تتنازع في ما بينها بما يخدم بقاء إسرائيل مرتاحة إلى وضعها ومستقبلها لأن تلك الدول الضعيفة المتناحرة في ما بينها بحاجة إليها وإلى مساعدتها لتقوى على الآخر.
هذه الصورة التي جرى الكشف عنها في أوائل الحرب اللبنانية قبل حوالى أربعين سنة وتحدث عنها أيضاً بن غوريون ثم وزير خارجية أميركا السابق كيسنجر قد تكون كافية لمعرفة ما يجري حالياً على الساحة الإقليمية، وانعكاسات كل ذلك على الوضع اللبناني الداخلي وعلى المواقف التي ظهرت بعد الدخول العسكري الروسي مباشرة على خط الأزمة السورية وهجومه بترسانته العسكرية على المعارضة السورية المعتدلة خلافاً لإدعاءاته الكاذبة بأنه إنما دخل لمحاربة داعش والإرهاب وليس لدعم بقاء نظام بشار الأسد وللتأسيس لتقسيم سوريا وإقامة دولة علوية إلى جانب دولة سنية وأخرى كردية كما هو الحال الذي وصل إليه العراق.
يقول الرئيس برّي أن لا بديل عن الحوار بين اللبنانيين لتجنيب لبنان ما يحاك دولياً للعالم العربي، وهو على صواب في ذلك، الا ان مواقف فريق من المتحاورين ونسمي هنا «حزب الله» وحليفه التيار الوطني الحر بزعامة النائب ميشال عون داخل طاولة الحوار، وما ظهر منها في اجتماع لجنة الاشغال والطاقة النيابية من افتعال للاشتباك مع تيّار «المستقبل» الذي ذنبه الوحيد انه يسأل عن مصير الألف والمئتي مليون دولار التي حصل عليها الوزير جبران باسيل من خزينة الدولة لتأمين التيار الكهربائي في حلول العام 2015، وإنهاء هذه المشكلة، وذلك عشية انعقاد طاولة الحوار في جولتها الرابعة، سوى دليل راسخ على انه لا توجد أية نية عند هذا الفريق للمساعدة على حل المشاكل الداخلية، سواء بالنسبة إلى انتخاب رئيس جمهورية لاطلاق ورشة التفاهمات حول اجتراح الحلول لبقية المشاكل، وإنما دفع الأوضاع إلى مزيد من التعقيد بانتظار ما ستؤول إليه الأمور في المنطقة وفي سوريا تحديداً بعد الدخول العسكري الروسي بهذه الشراسة التي يتفرج عليها العالم وفي المقدمة الولايات المتحدة الأميركية التي تدعي حمايتها للشعوب وحقها في الحرية والعدالة والديمقراطية.