السياسة في إجازة، والاستحقاق الرئاسي مرحّل على أقلّه إلى ما بعد الرابع من شهر آب المقبل أي إلى ما بعد عودة الرئيس نبيه برّي من أوروبا في إجازة خاصة، وسفر الرئيس تمام سلام إلى موريتانيا مترئساً وفد لبنان إلى القمة، وبين هذا وذاك يستمر اللعب بالوقت الضائع، وربط الأحداث المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط بالأوضاع الداخلية، ودقّة المرحلة التي يمرّ بها لبنان.
الرئيس برّي قبل سفره فتح النار على من يتهم بأنهم يعملون لمصلحة إسرائيل عن قصد أو عن غير قصد، بسبب أنهم لم يوافقوا على اتفاقه مع العماد ميشال عون على تقاسم بلوكات النفط في أعماق البحر، والرئيس سلام أكد من جهته على أن هذا الموضوع من الأهمية والدقّة بحيث يحتاج إلى مزيد من التدقيق، ومزيد من التوافق الوطني حوله، وبين الموقفين جمّد البحث في استخراج النفط وإن كان ثمّة مؤشرات على أن وراء إحيائه إيعاز خارجي وربما تشجيع بعدما تمّ الاتفاق الدولي على تقاسم الثروة النفطية في المنطقة كلها، والإيعاز بالتالي إلى الجهات اللبنانية ذات النفوذ بالإسراع في تلزيم البلوكات قبل أن يفلت الموضوع برمّته من بين أيديهم.
وإذا كانت الأمور كذلك، بالنسبة إلى التنقيب عن النفط، فإنها تنسحب أيضاً على الاستحقاق الرئاسي الذي سيُطرح على هيئة الحوار الوطني في الثاني والثالث والرابع من الشهر المقبل، من ضمن سلّة واحدة، تشمل أيضاً قانون الانتخاب الذي لا يزال متعثّراً في اللجان النيابية المشتركة ويبحث عن منقذ يخرجه من نفق الخلافات المستحكمة حول أي قانون يمكن أن يخدم مصالح الأطراف، هل هو النسبي، أم الأرثوذكسي أم الفردي أم المختلط، وأي مختلط يمكن الاتفاق عليه، هل المشروع الذي طرحه الرئيس برّي على أساس المناصفة، أم الذي طرحه الثلاثي المستقبل، القوات والاشتراكي على أساس 40 بـ60، وهذا الاختلاف المستحكم، يحكم بالفشل المسبق على اجتماعات هيئة الحوار الوطني التي تبدأ في الثاني من الشهر المقبل، ويبقى بالتالي الاستحقاق الرئاسي معلّقاً على شماعة الأزمات التي تعصف بالإقليم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، مما يعني أن حال المراوحة سوف تستمر إلى ما شاء الله، رغم الإيحاءات الكثيرة بحصول بعض التقدّم على صعيد هذا الاستحقاق انطلقت في الأيام القليلة الماضية على وقع رفع الفيتو السعودي عن العماد عون الذي لا يزال رسمياً المرشح الوحيد لحزب الله الذي جدّد رغم ذلك تحميل المملكة العربية السعودية مسؤولية عرقلة الانتخابات الرئاسية لأنها ما زالت تضع الفيتو على مرشحه العماد عون وذلك حتى يرفع التهمة الملتصقة بحليفته إيران المرتبطة بمصالح في المنطقة، تحتم عليها إبقاء لبنان من خلال حزب الله رهينة تستخدم في الضغط على كل الأطراف لكي تحقق هذه المصالح.
إذاً الوقت الضائع هو سيّد الموقف، وحسناً فعل الرئيس برّي بإعطاء نفسه إجازة يجول فيها في بعض الدول الغربية سائحاً ومتقصّي أخبار الدول من عواصم القرار وعلى اللبنانيين البسطاء أن لا يتوقفوا عند التصريحات التي يطلقها سياسيّو الداخل، لأنها بدورها مضيعة للوقت لا أكثر ولا أقل.