Site icon IMLebanon

يعيش «لويس فيتون» يعيش!

 

شيخ من شيوخ ميليشيا «حزب الله»، وزميل دراسة سابق في المرحلة الثانوية، بشّر اللبنانيين بأن رد الميليشيا على ما تتعرض له من ضغوط عقابية، عبر قانون قيصر الأميركي وغيره، هو فتح جبهة الجنوب اللبناني. قال الشيخ كلامه بوجه طفولي وثغر باسم، كأنه يعلن عن افتتاح منتجع سياحي أو صالة ألعاب.

بيد أن الشيخ يعرف، ويعرف أهل الجنوب اللبناني، أن الحرب ليست لعبة، وأن دونها أهوالاً لا تقاس بأهوال حرب عام 2006. والحرب إنْ حدثت هذه المرة لن يجد الجنوبيون من يعيد بناء ديارهم التي ما أعاد بناءها الإيرانيون، بل حكومات الخليج بأغلبها… ولن يجد لبنان من يقف معه بالمعاني السياسية والدبلوماسية لا عربياً ولا دولياً…

الشيخ الباسم نفسه ما لبث أن أدار بوق التهديد نحو الداخل، مهدداً اللبنانيين «بالقمصان السود»، أي بعناصر ميليشيا «حزب الله» المسلحين المستعدين لفرض إرادة حزبهم وإيرانهم على بقية اللبنانيين.

تزامن مع مطالعات الشيخ الباسم، خبران: واحد يفيد بأن قاضياً لبنانياً «مقاوماً» أصدر قراراً ساذجاً يمنع بموجبه الإعلاميين اللبنانيين من استصراح السفيرة الأميركية في لبنان، بعد مقابلة أجرتها مع قناة «الحدث»، أدلت خلالها بتصريحات متشددة حيال ميليشيا «حزب الله» والحكومة اللبنانية، وخبر آخر نقلته وكالة «رويترز» يفيد بأن الليرة اللبنانية فقدت 80% من قيمتها في مقابل الدولار!

من على منصة البلد المفلس هذه، تُقارَع أميركا، وتُحارَب إسرائيل عبر شاشات هذر لبناني مُسماة إعلاماً، وعلى الورق الرسمي للدولة التي يمثلها قضاء ساكن لا حراك له.

ولأن الأرقام تظل أرقاماً في الفضاء المجرد أياً تكن دلالاتها في عالم الواقع، اختارت وكالة الصحافة الفرنسية، أن تجمع في صورة واحدة 16 براداً فارغاً صوّرتها داخل بيوت لبنانيين ما عادوا قادرين على شراء الحد الأدنى من حاجياتهم الغذائية. تصدرت الصورة الصادمة الصحف اللبنانية، وانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي كاختصار مكثف لحال بلاد بأكملها، تشهد أعمق وأصعب تهاوٍ اجتماعي اقتصادي منذ نشأة الكيان عام 1920.

فحسب إقرار رئيس الحكومة اللبنانية، فإنَّ «نصف الأسر اللبنانية ستصبح عاجزة عن شراء الطعام نهاية العام الجاري». من جهته أفاد تقرير حديث صادر عن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، بأنَّ «معدل انتشار الفقر في لبنان سيرتفع من 37% عام 2019 إلى 45% عام 2020، ومن المتوقع أن يصيب الفقر المدقع وانعدام الأمن الغذائي ما نسبته 22% من السكان، مقارنةً بـ16% في عام 2019».

مع ذلك ليست برّادات اللبنانيين وحدها ما فرغ في بلد التناقضات التي لا تنتهي. فرغت أيضاً رفوف متجر «لويس فيتون» في وسط العاصمة بيروت بعد أن أعلن عن بيع بضاعته بسعر صرف 3000 ليرة مقابل الدولار، ما دفع بعدد كبير من الناس إلى التوجه إلى المتجر، نظراً إلى أن سعر صرف الدولار بلغ في السوق السوداء 8000 ليرة في اليومين الأخيرين، ما يعني أن من اشترى اشترى بحسم يقرب من 70%!

كغيرها من صور أحوال اللبنانيين انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، صورة تُظهر الحشد أمام هذا المتجر، مقارنةً بصورة أُخذت في اليوم نفسه للبنانيين يقفون في الطابور أمام الأفران لشراء الخبز بسبب توقعات بأزمة خبز!

ليس غريباً وسط حال الانهيار الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وتنامي القلق على أبسط شروط العيش، أن تثير الصورة أمام متجر «لويس فيتون» ما أثارته من انتقادات وسخرية وطعن!

لكن ثمة في الصورة ما لا يجب تجاوزه.

أولاً ليس كل من لا يزال يمتلك القدرة على التبضع من المتاجر الفاخرة هو بالضرورة جزءاً من «طغمة الفساد والسلطة»! فرأس المال البشري اللبناني من الاتساع بمكان ومن الكفاءة والنجاح بمكان ليبرر الدخول المرتفعة والمدخرات الجدية لكثير من اللبنانيين الذين يفضّلون إنفاق هذه الأموال بدل تركها رهينة مصارف منهارة!

ثانياً وهو الأهم، أن لا ضير من الطوابير الطويلة أمام المتاجر الفاخرة. وليس من سبب لئلا يكون لبنان سوقاً حرة لمثل هذه المتاجر وغيرها من خدمات الرفاهية والسعادة… صورة متجر «لويس فيتون» هي الصورة الطبيعية للبنان وما يجب أن يكونه، في حين أن ما ينبغي الطعن به حصراً هو صورة الطوابير أمام الأفران…

طوبى للمزيد من طوابير «لويس فيتون» وحمى الله الناس من طوابير الأفران والصرافين ومراكز الضمان الاجتماعي! بلا أي تردد ومن دون الكثير من التحذلق الموضوعي، أستطيع أن أزعم أن الأولى ينتجها النجاح اللبناني، فيما ينتج الثانية حزب الشيخ الباسم والقاضي المقاوم.

هاتان الصورتان تعبّران عن شيء أعمق بكثير مما تم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي. هما في العمق تعبير عن «لبنانين اثنين». شيء يشبه ثنائية الألمانيتين الشرقية الغربية إبان الحرب الباردة أو الكوريتين اليوم.

لنتخيل تقسيماً مماثلاً في لبنان. لنتخيل أن لبنان انقسم بين جمهورية «لويس فيتون» التي تريد إحياء اتفاق الهدنة مع إسرائيل، واعتماد الحياد في الصراعات الإقليمية من دون مخالفة واجبات لبنان تجاه أشقائه العرب، لبنان لا يعادي السفيرة الأميركية، ولا يحاكم سيداً جليلاً، لأنه شارك في مؤتمر لحوار الأديان مع حاخام يهودي، ولا يعادي المصارف والليبرالية الاقتصادية… ولبنان آخر يريد حشد كل الإمكانات لإزالة إسرائيل من الوجود، وإنهاء الإمبريالية الأميركية، وتدمير العراق لإعادة إحياء الدولة الساسانية، وتفريغ أحقاد إيران على العرب… لبنان يكون مصنع صواريخ لإيران، وغرفة عمليات إعلامية للحوثي و«الحشد» وغيرهما، وثكنة عسكرية لكل ميليشيات الولي الفقيه!

كم مواطناً سيترك لبنان الثاني إلى لبنان الأول؟ هذا هو السؤال المفتاح.

بين عامي 1961 و1989 عَبَر آلاف الألمان الشرقيين إلى برلين الغربية مخاطرين بحياتهم في سبيل البحث عن شروط حياة أفضل. تسلقوا الجدار. حفروا الأنفاق تحته. جنودٌ كلفوا بوضع العوائق والأسلاك الشائكة، تعمدوا ترك فُرجات ليعبروا منها لاحقاً…

لم يقفز غربي إلى ألمانيا الشرقية، ولم يعبر كوري جنوبي إلى كوريا الشمالية… وإنْ عبروا فهم جواسيس مهمتهم إنهاء أنظمة وأفكار تشبه في تخلفها ما قاله الشيخ الباسم والقاضي المقاوم…

كل الناس تريد «لويس فيتون»… لا أحد يحب طوابير الخبز… فلا شيء رومانسياً في الفقر… حتى أوهام الكرامة…

المجد لـ«لويس فيتون».