زوّدني صديق عزيز بتسجيل صوتي للعلّامة الكبير آية الله محمد حسين فضل الله الذي طالما أُعجبتُ به وكانت لي لقاءات عدة معه سواء ما كان منها في إطار مقابلات صحافية عقدتها معه، أم في إطار حوارات وجدانية ووجودية أيضاً كنت اكتنز خلالها وارتوي من معين هذا الرجل الذي كان يتحلى بالحكمة والإيمان الإنساني والروحاني في آن معاً. وقد جمعنا يقين مشترك بأن الله أرسل الأديان السماوية من أجل الإنسان، ولم يخلق الإنسان من أجل الدين. وبالتالي ليست مصادفة أن التوراة والانجيل المقدس والقرآن الكريم أوحي بها بعد خلق الإنسان وليس قبله (…). وهذا بحث فلسفي ولاهوتي ووجودي طويل، ليس المجال متيسّراً الآن للدخول فيه (…).
أعود إلى التسجيل الصوتي، وهو بلسان سماحته، رحمه الله وغفر له بإذنه تعالى، وقد نطق به بالكلام المحكي الأقرب ما يكون إلى الفصحى، مؤكداً على أهمية المحبة وفي الوقت ذاته والكلام إياه مشدداً على ضرر الحقد. ومن هذا الكلام اخترتُ عنوان هذه العجالة. قال سماحته:
بدّنا نقوي عضلات قلوبنا حتى تعرف (القلوب) كيف تحمل أثقال المحبة، بعد أن حملتْ أثقال الحقد. القلب الذي يعرف ويحمل الحقد قادر أن يحمل المحبة. ولكن نحن نحاول دائماً بحياتنا وعصبياتنا وحزبياتنا وطائفياتنا دائماً نحاول أن نتمرن على الحقد: كيف يحقد الإنسان على الآخر. كيف يدمر الإنسان الآخر. كيف يُسقط الإنسان الآخر… ما منمرّن حالنا كيف يحب الإنسان الآخر. والمحبة يا جماعة هيّي اللي بتبني الحياة والحقد يدمّر».
هذه الكلمات البليغة على بساطة، البسيطة على عمق العميقة على سهولة، السهلة على إنسانية سمحاء، إن هي إلّا نموذج رائع عن الخطاب الديني والسياسي والفكري للعلّامة السيد محمد حسين فضل الله، وقد عرفتُ الكثيرين من اللبنانيين والعرب، من غير المنتمين الى المذهب الشيعي، يعربون عن تقديرهم له ولمبادراته الإنسانية والخيرية التي ما زالت تشهد له بأنه كان يقرن القول بالفعل. كما أنه (كما أعرفه) رفض أن يتقوقع الدين في الشرنقة، مؤكداً على أن العلم والدين يكمل أحدهما الآخر، ولو احتج الذين يرفضون مغادرة الظلمة إلى النور.