يتأثر لبنان بمنخفض سياسي طائفي حاد، يسيطر على منطقة المشرق العربي، ويؤدي الى انخفاض ملحوظ في حرارة العلاقات السياسية بين المكونات الطائفية اللبنانية، مع تساقط كثيف للمعوقات السياسية التي تقطع الطرقات المؤدية الى تشكيل الحكومة، مع حدوث انهيارات سياسية مفاجئة تزيد من تصدع الكتل السياسية، وتتشكل كتل ظرفية تتسبب بالحوادث والانزلاقات الحكومية، ويُظهر المنخفض السياسي عمق الاحتقان المذهبي، مما يؤدي الى تفجر البنية التحتية لنظام الصرف الطائفي وتفيض المستنقعات الكريهة، المانعة لتجدد وانسياب الحياة الوطنية واستيعاب التحولات، وتتعطل معالجات التحديات الخدماتية والمالية والاقتصادية، وتتوقف آلية الكذب ويتلاشى الحديث عن مصلحة البلاد والعباد، ويتسبب المنخفض الطائفي بموجات رعدية عنيفة من الشتائم والسباب، ويتبادل الجميع الاتهامات بالتسيب والفساد وبالمآسي التي وصلت اليها البلاد، ويستحضرون أدوات الماضي البغيض ويلبسون أثواب النزاع ويتقاذفون كتل التعابير الجارحة بسعادة وانشراح، وببراءة الاطفال عندما يتقاذفون كرات الثلج في الجبال.
هناك مؤشرات تنبئ بانحسار تأثير المنخفض السياسي مما قد يساعد على تشكيل الحكومة في الايام القادمة، ما لم يصطدم المنخفض الحالي بكتل العنف الاقليمي والدولي المتمركزة حول لبنان، وقد يتحول المنخفض الى إعصار سياسي يهدد ما تبقى من تماسك اجتماعي واقتصادي، ويعمق التصدع الوطني ويهدد اسباب الوجود والكيان، وقد عرف لبنان العديد من الاعاصير المدمرة التي قوضت اسباب الدولة الوطنية، فإعصار ثورة ٥٨ المسلحة اصاب الروح الميثاقية بالصميم وبدأت مسيرة الفراق الوطني، والإعصار السياسي المسلح عام ٧٥ كرّس الانقسام وأدخل أطراف غير لبنانية في النزاع حيث شاع القتل الطائفي على الهوية ودمرت البيوت والأسواق ورفعت سواتر العزل بين الإخوة الاعداء، وجاء إعصار ٨٢ الذي أعاد خلط الأوراق وأنهى السيادة بالاحتلال، وجدد نزاعات قديمة واستحدث نزاعات جديدة، ثم كان إعصار ٢٠٠٥ والذي وصف بتسونامي لما احدثه من اغتيالات واصطفافات وانسحابات وحروب ومناورات وانقلابات، وأظهر عدم قدرة اللبنانيين على حكم انفسهم بأنفسهم، وعمت ثقافة الشغور والتعطيل الرئاسي والبرلماني والحكومي وكل مؤسسات الانتظام العام، بالاضافة الى تداعيات وتأثير الإعصار السوري على لبنان.
ان كل ما شهده لبنان من منخفضات وأعاصير سياسية كان نتيجة طبيعية لثقافة استقواء الطوائف اللبنانية بالخارج على شركائهم في الوطن، وقد ارتَكَبتْ هذه الخطيئة الجريمة كل الطوائف والتجمعات السياسية بدون استثناء، وجعلت من لبنان ساحة نزاعات بديلة على حساب الاستقرار والانتظام العام في الدولة الوطنية، التي لم يكتمل تكونها في اي يوم من الايام، رغم تكرار المحاولات الجادة لقيام دولة حديثة، التي لم يكتب لها النجاح لأن الطائفيّة كانت لها بالمرصاد لوأدها في مهدها، إمّا بالاستقواء بالخارج او بافتعال النزاعات والانقلابات والاغتيالات.
المضحك المبكي هذه الايام هو الأحاديث المتداولة بين عموم اللبنانيين، حول تقسيم لبنان الى دويلات طائفية، واستبدال النظام الطائفي المؤقت بنظام طائفي مؤبد، والحديث عن حرب اسرائيلية ومفاوضات وانقلابات عسكرية، والبعض الاخر يتحدث عن تحولات عربية واقليمية، وهناك من يراهن على الجيوش العالمية الروسية والاميركية وغيرها، في ظل تراجع الحديث عن تشكيل الحكومة ومواجهة التداعيات المالية والاقتصادية والاجتماعية، مما يجعل من تشكيل الحكومة الآن ضرورة وطنية استثنائية، قبل ان يتحول المنخفض السياسي الطائفي الى إعصار سياسي وجودي يقتلع الجميع بدون استثناء.
أحمد الغز