IMLebanon

ويلٌ لإيران وتركيا من «سوريا المفيدة» وكردستان

«القيصر» فلاديمير بوتين، «شيشَن» سوريا. ليس مهماً بالنسبة إلى «القيصر«، ماذا سيبقى من سوريا، المهم ان ينتصر، ويبقى الرئيس بشار الاسد. لم يكن بوتين «يشيشن« سوريا، لو لم تكن إيران شريكة مباشرة له، والرئيس باراك اوباما «حارس» هيكل الصمت وترك الوقت للوقت ليفعل فعله، ويصوغ الحاضر مقدمة لرسم مسار المستقبل.

وزارة الدفاع الروسية أعلنت رسمياً، بما يشبه إعلان انتصار ان الطيران الروسي في سوريا شن 900 غارة خلال ثلاثة ايام. الجيش الروسي حوّل سوريا الى ميدان ليدرب قواته، ويريد ان يكسر قاعدة قديمة بأن «الطيران لا يحقق الانتصار». بالمبدأ هذا صحيح، لكن في الواقع ان طائرات «السوخوي» تحلّق في فضاء لا يهدّده سلاح الدفاع الجوي. وعلى الارض مع «مستشارين» روس اعلن مقتل احدهم رسمياً مع أن غيره قتل قبل اليوم، والآلاف من الميليشيات الايرانية (قتل امس الجنرال قجاريان) واللبنانية والعراقية والافغانية والباكستانية وغيرهم وعدة آلاف من بقايا الجيش السوري الذين ارتفعت معنوياتهم مع كل غارة روسية قاتلة. 

واستناداً الى متابعات ميدانية، فان الروس يضربون السوريين بأنواع جديدة من الاسلحة لاختبارها، ومنها قنابل تحفر في الارض، خصوصاً حيث توجد خنادق ومغارات، حوالى ثلاثين متراً قبل ان تنفجر مدمرة كل شيء، وقنابل عندما تنفجر تقذف عدة قنابل موزعة على دائرة واسعة لتدمر وتقتل أكثر، إضافة الى أحدث أجهزة المراقبة والتنصت المتصلة بشبكة من الاتصالات والأقمار الصناعية، كل ذلك وغيره يجري وبمساندة وحدات «كومندوس» روسي متمرس.

أخطر من كل هذه الاسلحة الروسية المتطورة، كانت وما زالت «سياسة اطالة الصراع» التي نفذت ببراعة وبلا رحمة. كل يوم اضافي من هذه الحرب الطويلة كما ترى قوى سورية وطنية معارضة يهدف الى:

[ افراغ الثورة من مضمونها في طلب الحرية والكرامة والديموقراطية.

[ نشر الفوضى المسلحة المسيرة خارجياً والمرتبطة بقوى إن لم تطعها لا تمدها بالمال والسلاح.

[ ترك القوى الارهابية تتضخم لتصبح خطراً يضع مقولة «الأسد او داعش« هي الحل المقبول دولياً.

كل ذلك، للوصول الى مرحلة ييأس فيها الثوار والمنظمات لينصاعوا للحلول التي تتفق عليها القوى الكبرى من دون الأخذ بما يريده الشعب السوري.

ولا شك ان اسباب العلة ليست كلها خارجية. ذلك ان «الائتلاف» الذي يقود عملياً المعارضة، تحول لأسباب كثيرة الى «عبء» على الثورة وقد حان الوقت للعمل للتحول الى «رافعة» للثورة، ولذلك «يحتاج الى اصلاح عميق وجذري حتى لا تنتج «الانتصارات» الجارية للروس والايرانيين والاسد انتصاراً دائماً«. وهذا يتطلب، باعتراف قوى سورية معارضة، عملاً وطنياً حقيقياً متحرراً من تسجيل النقاط والمواقع، وهدفه قيام سوريا الحرة من الوصاية الاجنبية.

الانتصارات التي يحققها تحالف موسكو وايران والاسد برضى اسرائيلي وصمت «اوبامي» يشبه الموافقة ليست نهائية، لأن سوريا ارض كل الحروب حيث كل شيء فيها متحرك ومتغير. ما هو قائم اليوم، قد لا يكون غداً. وصول ادارة اميركية جديدة سواء كانت ديموقراطية برئاسة هيلاري كلينتون او جمهورية، ستنفذ سياسة مختلفة وليس بالضرورة انقلابية، عن «السياسة الاوبامية»، تفرض قواعد جديدة على الصراع وادوار الآخرين من قوى عظمى ووسطى ووسيطة. وصول صاروخ ارض جو الى ايدي المعارضة السورية يفرض تعاملاً مختلفاً يحد من حرية الطيران الروسي. ايضاً حصول ولو تغيير محدود في ايران وليس بالضرورة انقلابياً، يحدث فرقاً كبيراً لأنه سيؤدي الى تعاملات مختلفة مع دول الجوار العربية وأخذ موافقتها في الاعتبار. ايضاً أي تدخل تركي مباشر ولو محدود على الارض السورية يفتح آفاقاً واسعة على الصراع في سوريا، حيث خطر مواجهة روسية تركية قائم ويطرح سؤالاً كبيراً ماذا عن الحلف الأطلسي؟

السؤال الكبير القائم في ظل الغارات الروسية هو ماذا يريد «القيصر» من الحرب؟ هل يريد تثبيت حدود «سوريا المفيدة» تحت ولاية الاسد؟.

بوضوح شديد إقامة «سوريا المفيدة» ولو موقتاً، فكيف اذا استمرت طويلاً، تفتح الباب، امام التمدد الى البقاع اللبناني جغرافياً وفي احسن الاحوال عودة النفوذ السوري الى اقوى مما كان في بيروت. لكن في الوقت نفسه تنتج تثبيتاً لحدود «كردستان السورية»، التي حتى بدون استقلال ناجز، تلد عاجلاً أو آجلاً طموحاً قابلاً للتنفيذ لقيام اقليم كردي سوري «مستقل« على الطريقة الكردية العراقية. المسار الكردي العراقي الذي وصل الى مشارف إعلان الاستقلال.

«سوريا المفيدة» و»دولة كردستان» القائمة عملياً في العراق، والمرسومة في سوريا، تشرّع الغاء اتفاقية سايكس- بيكو وتطرح مباشرة مشروعاً لتقسيم المنطقة كلها. اكبر المتضررين ليس الضعفاء اي السوريين والعراقيين فقط وانما تركيا وايران.

علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الايراني اكد وعي الدولة الايرانية لهذا الخطر وان كان قد حصره في العراق فقال: «اذا حصل تقسيم بالعراق فانه سينتقل الى باقي دول المنطقة».

الكشف عن الداء وسببه لا يكفي. معالجته تكون بكل الوسائل قبل ان يستفحل. تركيا وايران تملكان وسائل المعالجة من موقع الخطر القومي، وهو أولاً في وقف الحرب خارج الانتصار والهزيمة، لانهما يعمقان الاحقاد والاستقواء فينتجان التطرف وتنفيذ سياسة «عليَّ وعلى أعدائي».