دعونا قبل أيام الى تشكيل حكومة موالاة «بمن حضر» إذا كان متعذّراً تحقيق مطالب ورغبات ومطامح سائر الذين يمكن أن تشكل منهم حكومة الوحدة الوطنية. وقلنا إنّ مبدأ ممارسة الديموقراطية الأول والأهم هو أن تكون حكومة موالاة من جهة ومعارضة في الجهة المقابلة وضربنا مثلاً على ذلك من هذا الوطن بالذات إذ عرف الموالاة والمعارضة على قواعد تكاد تكون حزبية (حزب الكتلة الوطنية وحزب الكتلة الدستورية… وكذلك الحلف الثلاثي والنهج).
ونبادر اليوم الى التأكيد على أنّ حكومة الوحدة الوطنية هي المعول الذي يستخدم لضرب الديموقراطية في أعزّ معانيها ومرتكزاتها وقواعدها وأهدافها. وحكومة الوحدة الوطنية تُلغي عملياً دور مجلس النواب الرقابي. فعندما تكون الكتل كلها ممثلة في الحكومة فإنّ مجلس النواب يصبح (تلقائياً) محكوماً بالموافقة على ما يصدر عن الحكومة من مراسيم وقرارات ومواقف الخ…
… أو أنّ حكومة الوحدة تعرقل عملها بذاتها. لأنه إذا تعذّرت المعارضة الفاعلة داخل المجلس (الممثل في الحكومة بشبه إجماع) فستنشب معارضة (بل معارضات) داخل الحكومة، ويُفتح الباب أمام المزايدات والديماغوجيا في أبشع صورها… وتصبح بالتالي الحكومة مكربجة حتى يرضى وزراء من هنا، ويتوقف عن الدلع وزراء من هناك الخ…
من هنا نكرر دعوتنا الى حكومة تتعامل مع مجلس النواب موحدة الصف، بموقف واحد وقرار واحد… وليوال من يذهب الى الموالاة وليعارض من يؤثر المعارضة… وفي تقديرنا أننا إذا عدنا الى هكذا معادلة في ممارسة اللعبة السياسية وبالذات اللعبة البرلمانية فإن الحكومة ستصبح أكثر إنتاجاً والمجلس النيابي أكثر حضوراً.
ورداً على من يرى أن ثمة من لا يريد من النواب أن ينضوي في إطار المعارضة أو في إطار الموالاة نقول هناك «الوسط». وحتى هذا الجانب من اللعبة الديموقراطية كان معروفاً جداً في لبنان. وكثيراً ما كان الوسطيون مجموعة من الشخصيات الوطنية البارزة. ولقد عرف الوسط بإسمه حيناًِ وبتسمية «القوة الثالثة» أحياناً… وهذه تشكّلت من نخبة من الشخصيات البارزة مرات عديدة يمكن أن نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: هنري فرعون وبيار إده وغسان تويني ويوسف سالم رحمهم اللّه. وأما في مرحلة المواجهة الديموقراطية بين «الحلف الثلاثي» والنهج (الشهابي) فقد عرف المجلس النيابي كتلة الوسط وكان من أركانها المرحومون: الرئيس سليمان فرنجية (قبل الرئاسة) والرئيس كامل الأسعد والرئيس صائب سلام والشيخ حبيب كيروز والشيخ فضل اللّه تلحوق.
ولقد يكون مفيداً التذكير بهذه الحقائق اللبنانية العريقة في الممارسة البرلمانية والديموقراطية حتى لا يظن جماعة آخر زمان (من مختلف الأطياف) أنهم وحيدو زمانهم.