قمّة المسؤولية هي عندما يعترف أي مسؤول بفشله في عمله، فينسحب من الموقع الذي هو فيه، تاركاً المجال لغيره كي يحاول تحقيق نجاحات تفيد البلاد والعباد.
في لبنان، نفتقد هذه المحاسبة الذاتية، لأنّ الفشل ليس موجوداً في قاموس المسؤول اللبناني، أيّاً كان. فهو يرميه على أخصامه، وعلى ظروف داخلية وخارجية لم تُساعده على تحقيق ما وعد به، أو على الأقلّ، القيام بواجباته المُعتادة.
هذه الحالة تتجسّد هذه الأيام في أنّ جميع من تعاقبوا وشاركوا في الحكم يرفضون الإعتراف بمسؤولياتهم المُتفاوتة، في ما وصل إليه لبنان من تدهور وانهيار، ويحاولون التملّص ممّا ارتكبوه، برمي المسؤوليات على بعضهم البعض، وعلى دول في الخارج، يدّعون أنها تُحاصر لبنان وترفض مساعدته. والمُفارقة في هذه الإدّعاءات أنّ شرائح من الشعب اللبناني تُعاني الفقر والجوع والصعوبات المعيشية، تؤمِن بهذا المنطق، وتُدافع عن هذا المسؤول وذاك، وتُبرّر له فشله، وتحمل لِواء الدِفاع عنه في عملية جلد الذات، استمرّت منذ عقود، وما زالت.
إنّ هذه الظاهرة هي واحدة من الظواهر التي تَطمئِنّ إليها الطبقة السياسية، لأنّها تُدرك أنّ شعباً لا ينتفض لفقدان أعماله ومداخيله ومُدّخراته، لن ينتفض على زعيم أو مسؤول فاشل يرى فيه خشبة الخلاص، ليس من الأزمة التي يُعاني منها، بل من أخصامه في السياسة والطائفة والوطن. ويرى فيه القدّيس الذي تهون في سبيله كلّ التضحيات، وفي مُقدّمها الأرواح والأرزاق، وكأنّ هذا المسؤول أو الزعيم وليّ نعمته. فلو كان كذلك، لترك أنصاره في منازلهم، يؤمّن لهم المأكل والمشرب والملبس والتعليم والإستشفاء وحتّى الترفيه، فلا حاجة عندها لدولة أو لوظيفة، يكسبون من خلالها أمانهم المعيشي والإجتماعي.
في لبنان، مُحاسبة الزعيم والمسؤول يجب أن تجد طريقها إلى الواقع، لأنّ التمسّك بأي فاشل في أي موقع كان، سيُدمّر الموقع والوطن والناس. فالفاشل الذي يعشقه مؤيّدوه لا يُكلّف نفسه مراجعة قراراته وخياراته، لأنّه لا يُخطئ، ولا يتراجع، ولا يتنازل. فكلّ هذه الأمور، إن حصلت، هي بالنسبة اليه ولأنصاره هزيمة، لا يُمكن القبول بها.
في لبنان، تلك هي حال المسؤول والزعيم “الله خلقو وكسر القالب”، وتلك هي حال أنصاره “خدني عا الموت بلبّيك”، وتلك هي حال الوطن “مات وشبع موت”، ولن تتغيّر هذه الحال لأنّ تغيير ولاءات اللبنانيين أصبح من المُحال.