عاد المستشار الديبلوماسي المعاون لرئيس الجمهورية الفرنسية أوريليان لوشوفالييه الى لبنان بعد 6 أشهر على زيارته الأخيرة لكي يُناقش مع المسؤولين السياسيين سلسلة أمور تهمّ فرنسا في المرحلة الراهنة. ولعلّ أبرز هذه العناوين، على ما أكّدت مصادر سياسية مواكبة، مدى تطبيق لبنان للتوصيات التي خرج بها مؤتمر «سيدر» وتنفيد الإصلاحات المطلوبة في الموازنة العامة التي هي في صدد الإقرار، ومسألة ترسيم الحدود البريّة والبحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي، والتوتّر القائم بين الولايات المتحدة وإيران والعقوبات المشدّدة المفروضة عليها، كما على حزب الله في لبنان.
فأكثر ما يهمّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في هذا الوقت بالذات، على ما نقل لوشوفالييه للمسؤولين اللبنانيين، هو حصول لبنان على مساعدات وقروض مؤتمر «سيدر»، والتي تبلغ أكثر من 11 مليار دولار لكي يتمكّن من النهوض من كبوته الإقتصادية، ولكي لا يفوّت هذه الفرصة الثمينة عليه التي سعى لها الرئيس ماكرون شخصياً. ولهذا استفسر عن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتخفيض العجز ولتحسين النموّ. كما جرى التطرّق الى موضوع النازحين السوريين وازدياد الأعباء الهائلة بسبب استضافة لبنان لهم، وضرورة مساعدة المجتمع الدولي لبنان على إعادتهم الى بلادهم في أسرع وقت ممكن.
كذلك أبدى لوشوفالييه إهتمام فرنسا في ضرورة الحفاظ على الهدوء الأمني في البلاد والإستقرار الملحوظ في المنطقة الجنوبية، على ما عقّبت المصادر، ونقل دعمها للبنان للقيام بالمفاوضات بين لبنان والعدو الإسرائيلي عبر وساطة مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد بهدف ترسيم الحدود البريّة والبحرية في أسرع وقت ممكن. وأشارت الى أنّ فرنسا تتابع هذا الموضوع عن كثب، سيما وأنّ شركة «توتال» الفرنسية تدخل ضمن «تحالف الشركات» الذي لزّمه لبنان التنقيب عن النفط والغاز في البلوكين 4 و9 في المنطقة الإقتصادية الخالصة، الى جانب شركتي «نوفاتيك» الروسية، و«إيني» الإيطالية، والذي من المفترض أن يبدأ عمله أواخر العام الحالي.
كما أخذ موضوع التوتّر القائم بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران فضلاً عن العقوبات الأميركية على إيران، وعلى حزب الله في لبنان، حيّزاً من محادثات الموفد الفرنسي والمسؤولين اللبنانيين، على ما أضافت المصادر نفسها، لأنّ فرنسا يهمّها تجنيب لبنان أي حرب جديدة عليه. فهذه الحرب في حال شنّت من أحد الجانبين، اللبناني والعدو الإسرائيلي، فإنّها ستُكلّف غالياً، وستُفقد لبنان فرصة البدء بالتنقيب عن الغاز والنفط الطبيعيين واستخراجهما بعد أشهر. لهذا فإنّ فرنسا تنصح لبنان بعدم التدخّل في التوتّر القائم بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، لكي لا يكون كبش محرقة، ويفوّت الفرص الإقتصادية والنفطية المتاحة أمامه.
وذكّرت المصادر بأنّ الموفد الفرنسي سعى خلال زيارته السابقة الى لبنان التي حصلت في تشرين الثاني من العام الماضي، الى نصح المسؤولين الذين التقاهم فيه بعدم استفزاز الجانب الإسرائيلي، إذ هدّد يومذاك بالقيام بعمل عسكري تجاه لبنان في حال لم يقم بتفكيك مصانع الأسلحة التي تبنيها إيران فيه، من وجهة النظر الإسرائيلية، لتطوير الصواريخ التي في حوزة حزب الله لكي تُصبح أكثر دقّة. وتضمّنت رسالته عندها الدعوة الى تفكيك وإقفال هذه المصانع لتجنيب حرب جديدة على لبنان.
وهذا القلق نفسه جعل لو شوفالييه ينبّه لبنان من عدم التفكير بشنّ حرب مع العدو الإسرائيلي، خصوصاً وأنّه في حال حصلت فسوف تؤدّي الى حرب إقليمية، لا بدّ من تجنّبها في هذه المرحلة، لأنّها لن تصبّ في مصلحة أي من دول المنطقة، بل على العكس. ولهذا نصح الموفد الفرنسي بتقيّد لبنان بمبدأ النأي بالنفس، أو بتحييده عن صراعات المنطقة التي لا علاقة له بها.
وأفادت المصادر بأنّ المسؤولين اللبنانيين قد أبلغوا الموفد الفرنسي بدورهم أنّ الحكومة تسعى جاهدة لتخفيض العجز في الموازنة العامّة، ولتنفيذ توصيات مؤتمر «سيدر» لكي يتمكّن لبنان من الإستفادة من المبالغ التي نتجت عنه، خصوصاً وأنّ الحكومة تسعى لإنهاض الإقتصاد وتأمين فرص عمل للبنانيين. كذلك نقلوا اليه موقف لبنان من ترسيم حدوده البحرية والبريّة، وتشديده على حفاظه على كامل حقوقه في المنطقة البحرية، لا سيما في الرقعة المتنازع عليها بين لبنان والعدو الإسرائيلي. كما على عدم تفريطه بأي شبر من أراضيه لا سيما تلك المحتلّة من قبل «القوّات الإسرائيلية» أي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر.
وفيما يتعلّق بموضوع الحرب مع العدو الإسرائيلي، فقد وضعوه في أجواء أنّ لبنان لا يريد شنّ أي حرب جديدة مع إسرائيل، ولا يقوم باستفزازها، لكنه لن يسكت عن أي تعدّ على حقوقه البريّة والبحرية. وأشاروا الى أنّ «إسرائيل» هي التي تعمل باستمرار على خرق السيادة اللبنانية برّاً وبحراً وجوّاَ، كما على خرق القرار 1701 الذي أوقف الأعمال العدائية بين الجانبين في العام 2006.
وعن الضغوطات الأميركية على إيران وحزب الله في لبنان، تحدّثوا عن أنّ الحزب هو شريك في الحياة السياسية ولا يُمكن عزله عن القرارات الحكومية، ولا عن مشاريع القوانين المتخذة في مجلس النوّاب. علماً أنّ فرنسا تُدرك هذا الأمر، وهي تفرّق بين جناحي الحزب السياسي والعسكري.
أمّا قرار الحرب والسلم فيتخذه المجلس الأعلى للدفاع، من دون أن تقوم الحكومة بتقييد ردّة فعل المقاومة لا سيما إذا ما تعرّضت الحقوق اللبنانية لأي اعتداء خارجي عليها من قبل الإسرائيليين أو الإرهابيين، سيما وأنّ البيان الوزاري للحكومة الحالية قد نصّ على حقّ اللبنانيين المشروع في المقاومة حفاظاً على السيادة اللبنانية.
وفي جولتها أمس، زار شوفالييه برفقة المستشارة الاولى في السفارة الفرنسية في بيروت سالينا كاتالونا، فزار اولا «بيت الوسط» حيث التقى رئيس الحكومة سعد الحريري في حضور الوزير السابق غطاس خوري، وتم عرض الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية بين البلدين.
كما زار لوشوفالييه قصر بسترس، حيث التقى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، وتم خلال اللقاء عرض شامل للأوضاع المحلية والاقليمية وتطبيق بنود مؤتمر «سيدر» واقرار الموازنة، إضافة الى البحث في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية والبرية والوضع في المنطقة والتوتر بين إيران والولايات المتحدة الاميركية.
كذلك، التقى المستشار الفرنسي وزيرة الطاقة والمياه ندى بستاني، وبحث معها في مشاريع الوزارة المتعلقة بالنفط، المياه والكهرباء .