لم يعد من مجال للنكران أو للتجاهل، بل ينبغي الإقرار والاعتراف بكل هدوء وببساطة… خصوصاً أنّ الاعتراف هو بداية حقيقية لكل إرادة تغيير، فكيف إذا كان الأمر يتعلّق بمصير مجتمع ومستقبل وطن؟
فالحقيقة تقول والوقائع تشير الى أنّ السلطة الحاكمة بكلّ ألوانها وتفرّعاتها وأنواعها، وإضافة الى كونها ذكية وتعرف كيف تتحكّم بكل مفاصل اللعبة السياسية من عهد «الطائف» أو ما قبله، وبالإضافة الى إجادتها فنّ السيطرة على كلّ ما هو قائم إجادة تصِل الى حدّ الاحتراف الحقيقي الذي يقتل كلّ أمل بتغيير وتبدّل حقيقيّين وإصلاح ينادي به الجميع علناً ويعملون على تقويضه وإجهاضه سراً وعلناً… إذاً إضافة الى كل هذه العوامل، ينبغي الإقرار بأنها سلطة محظوظة وتملك الكثير من الطالع الذي يساعدها على البقاء حية، وهي تجيد فنّ التعايش مع المتغيّرات، ولديها قدرة على التلوّن لصالح تأبيد بقائها فوق رؤوسنا قابضة على أعناقنا، مستفيدة أيضاً وخصوصاً من تخاذلنا وانقسامنا.
مناسبة الكلام عن الحظ هو الانتخابات النيابية المؤجلة منذ العام 2013، والتطورات المحلية الإقليمية والدولية التي رافقت هذه الفترة من التمديد. صحيح أنّ السياسة لا تقوم على الفرضيات وإنّما على الوقائع والمعطيات الآنية، ولكن دعونا نفترض أنّ الانتخابات النيابية جرت في مواعيدها عام 2013، أي قبل تبلور أحداث ووقائع بدّلت الكثير من المشهد السياسي، فهل كانت ستتصرّف وتتحالف وفقاً للواقع الحالي؟
لنفترض مثلاً أنها جرت قبل اندلاع الانتفاضات الشعبية في الوطن العربي، وما تركته من آثار في العلاقات الإقليمية والدولية، هل كانت السلطة بكل أطيافها ومن خلفها قوى، ستتعاطى معها كما اليوم؟
ولنفترض أنّ الانتخابات جرت قبل التحرّك الشعبي الذي رافق أزمة النفايات وأعطى دفعاً جديداً للحياة العامة في لبنان، وذلك على الرغم ممّا رافقه من هفوات واخطاء، هل كانت القوى السياسية ستتَّحد وراء قانون يؤمّن بقاءها في السلطة؟
ولنفترض أيضاً وأيضاً، أنّ الانتخابات النيابية تحقّقت قبل إجراء الانتخابات البلدية الاخيرة، وما أفرزته من قوى شبابية تحدّت السلطة القائمة وأحزابها في مختلف المناطق والبلدات والمدن وحقّقت نتائج باهرة ومفاجئة، فهل كانت هذه القوى ستحشد قواها وتنسى خلافاتها السياسية والاقتصادية والوطنية كما هي الحال عليه اليوم؟
ولنفترض أنّ الانتخابات اللبنانية جرت قبل قياس تبدّلات المزاج الشعبي العالمي، وخصوصاً المزاج الأميركي والأوروبي الذي برهَن أنّه بات يرفض أن تتحكّم به الأحزاب التاريخية التي كانت تتوالى على السلطة من دون انقطاع، كما بات يهرب من الساسة التقليديّين ويرفض الطروحات المعلّبة، ويميل الى الأشخاص البعيدين عن الجو السياسي التقليدي كما أنّهم مستعدّون لخوض غمار تحديات جديدة… هل كانت السلطة بكلّ فئاتها وأحزابها ستتصرّف مع المعطيات الانتخابية وفقاً لما تقوم به اليوم؟
يكفي أن ننظر الى تصريحات معظم القابضين على الحكم وتصرّفاتهم ومحاولة شبك علاقات في ما بينهم، لندرك خوفهم من انعكاس هذه التبدلات على نتائج الانتخابات النيابية.
من هنا يمكن ملاحظة غياب أيّ خطاب سياسي استفزازي اعتادت القوى أن تستعمله في السنوات الماضية، وقدرتها العجيبة على استعمال لغة سياسية جديدة تقوم على لازمة «محاربة الفساد» كأنّها قوى جديدة على السلطة جاءت إليه بعد ثورة شعبية أطاحت بمَن تحكّم بثروات البلاد…
وهذا الخطاب الجديد إنّما هو بدل عن ضائع لتبرّر تحالفاتها وتعاونها، كل ذلك لكي لا تفسح المجال أمام أيّ تجدّد ممكن مهما كان صغيراً، ولكي تُبقي على وجودها…
محظوظة هي الطبقة الحاكمة، هذا أمر لا يحتاج الى دليل جديد، أمّا نحن فنحتاج الى كثير من العمل والقليل من الحظ لكي نبدّل واقعنا ونتغلب على السلطة ونقضي على حظها.