IMLebanon

حزب الله الحاضر الأكبر من اللقاءات إلى المزارع.. مهمة لودريان الدولية بين أفلاطون ومكيافيللي

 

دع  عنك ما يعتزم لودريان (جان – إيف) الموفد الخاص للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي يسعى لإعادة الإعتبار «الإمبراطوري» إن لم نقل الإستعماري لبلده فرنسا، في زمن تحوُّل الدول في المركز والأقاليم داخل القارات الناهضة أو المتهالكة الى مراكز صراع، دع عنك  ما يعتزم لودريان (الدبلوماسي المخضرم) القيام به في المرحلة الثانية من زيارته إلى لبنان، في إطار المسعى الذي يقوم به نيابة عن دولته العظمى، ومجموع الدول الخمس التي تشكل منها اللجنة الدبلوماسية والأمنية الخماسية، والتي من الثابت أن إيران (القوة الاقليمية الناهضة) ستنسق معها في إطار ايجاد حلحلة للملفات الساخنة من أجل تبريدها، بحثاً عن النفط والطاقة والإستثمارات المالية والإقتصادية، ومن بين هذه الملفات لبنان؟

من المؤكد أن لبنان، لتاريخه، لم ينحدر ليصبح ملفاً ساخناً، لكن يمكن أن ينحدر، وهو قد يصبح أزمة وجودية، وفقاً لما نقل من استنتاجات توصل إليها الموفد الفرنسي، الذي غادر مستمعاً إلى «أساطين السياسة» في لبنان، الذين لم يوفروا شاردة وواردة إلَّا وأسمعوها «للزائر الباريسي» الذي كان يراهن على ايجاد الثغرة لينفذ منها، فلم يجد!

ما يزال البلد ملاذاً للاصطياف، يجذب السياح العرب والأجانب من بلدان شتى، فضلاً عن اللبنانيين المنتشرين، الذين يأتون في الصيف لقضاء أسبوعين أو أكثر في ربوع بلدهم بين جبله وبحره وأنهاره، بعضاً من قذارتهم ونفاياتهم، فلوثوا ما لوثوا وشوهوا ما شوهوا..

وعلى الرغم من الخيمة أو الخيمتين اللتين نصبهما حزب الله في احدى تلال كفرشوبا باتجاه مزارع شبعا، لإيصال رسالة إلى إسرائيل بأن منطقة التنازع الحدودي هناك ليست سائبة، وفي التقديرات ان إسرائيل ليس من اليسير عليها الاقدام على نزع  الخيم، واخراج من فيها او الدخول في اشتباك..

للموفد لودريان أن يكشف لرئيسه في الأليزيه، ما تكوّن لديه من انطباعات، وما حصل عليه من معلومات، مع أن السفيرة آن غاريو، تمتلك بعضاً منها بالمشاهدة والخبرة، والعمل الدبلوماسي أيضاً، لكن ما نقل عنه، يكشف بعضاً من المستور:

1 – هو يعرف تمام المعرفة الوضع اللبناني، وعوامل تأزمه وتشابكاته وامتداداته الداخلية والخارجية..

2 – أن شبكة الاتصالات التي أجراها مع النواب (كلهم تقريباً) وفقاً لوثيقة التوزع النيابي التي أعدتها الدوائر المعنية في المجلس، وبعض المراجع الروحية (بكركي) والعسكرية (قائد الجيش) والرسمية (بري  وميقاتي) والحزبية على اختلافها، كان الهدف منها، ليس فقط الإستماع إلى وجهات النظر المتباينة بل تبرئة الذمة، على طريقة «اليوم استمعت إليكم وغداً يتعيَّن عليكم الإستماع إليَّ».

3 – خارج ما هو معلن، وخارج ما تسرَّب، استمع لورديان باهتمام بالغ الى الأسباب التي أدت إلى الفشل الذريع لعهد العماد ميشال عون، والرواية جاءت على لسان رئيس التيار النائب جبران باسيل، والذي اتهم نبيه بري (وهو قوة نافذة في الدولة) بزعزعة عهد الرئيس المسيحي، الأقوى في طائفته..

لا ادري تماماً ما كان تعليق السامع الفرنسي والسفيرة التي شاركت في اللقاء الى جانب النائبة ندى البستاني (التي  تردد أنها أصبحت الذراع اليمنى لباسيل) بعد الأزمة التي لم تغفل بعد مع أقطاب في التكتل: حول الحملة على الرئيس نبيه بري، ومصير التفاهم مع حزب الله..

4 – وللمناسبة، لمس لودريان مستوى عالياً من العدائية لحزب الله، إن لم نقل الكراهية، وله وحده حق التقدير في ما سمع، وكيف فهم ما سمع.. لكن البيانات والتسريبات كشفت نقطة الثقل في المطالعات الفارغة، والمعروفة سلفاً التي سمعها من الكتل والنواب في الجهة المناوئة للمرشح سليمان فرنجية، على خلفية دعمه من حزب الله..

5 – لعلها من المسائل الساذجة، أن يظن رئيس هذا الحزب او ذاك أو رئيس هذا الكتل النيابي أو ذاك أنه هو من اسقط التسوية المعروفة بتسوية «فرنجية – نواف سلام»، وأن استراتيجية الدول تتأثر بموقف من هذا الطرف أو ذاك الطرف. فعندما يشارك باتريك دوريل في الاجتماع بين ماكرون وولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان، هذا يعني أن الملف لم يسقط من يده تماماً، وأن مهمة لودريان لا تعني انقلاباً على مهمة أسلافه، سواء في الخارجية الفرنسية أو سواها..

6 – للإدارة الفرنسية أن تقيم نقاط التقاطع والتباعد في مهمة موفد الأليزيه الرفيع المستوى، لكن الثابت أن خشية لودريان من تمدد الفراغ، ليشمل موقعين مارونيًّين كبيرين في هيكلية النظام التوافقي  أو البرلماني هما: حاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش، فضلاً عن مواقع أخرى لاحقة، أبلغت للقادة الموارنة، لجهة الخطر الذي يهدّد هذا الدور، الذي حظي برعاية فرنسية تاريخية له، وها هو يتراجع تحت ضربات يسددها الساسة الموارنة للاستراتيجية الفرنسية في لبنان.

7 – قد تكون بكركي، وعلى رأسها البطريرك الحالي مار بشارة بطرس الراعي وحدها التي ما تزال تراهن على دور فرنسي، استناداً الى متلازمة البطريرك – الجنرال في ولادة دولة لبنان الكبير، قبل 100 عام ونيّف.. أما حزب «القوات اللبنانية» فهو ما يزال يبحث عن تموضع لدى جهة دولية كبرى، ضامنة لمستقبله، وحزب باسيل، أو تكتل لبنان القوي والتيار الوطني الحر، فهو موزع بين رهانات أوروبية وأميركية واقليمية، منها العربي وغير العربي (ايران مثلاً) وذلك منعاً للشبهة.

8 – قد يكون البعض الأكبر من ساسة الموارنة شرب نخب تخلي فرنسا عن ترشيح فرنجية، معتبراً ان ذلك مكسب ما بعده مكسب، من دون ان يتنبه إلى أن مرحلة بالغة السوء قد تصيب الوضع اللبناني، ومعه موقع الطائفة المارونية، التي تسجّل تراجعاً إثر تراجع، سواء في الدور أو الوظيفة، أو الخيارات المستقبلية..

9 – لا همّ متى يعود لودريان، وبم سيعود، فهو أبلغ من التقاهم أن الوقت لا يعمل لمصلحة لبنان، الدولة والكيان والمؤسسات والنظام والإقتصادي.. وعليه، تحدث عن عودة قريبة. فماذا عساها أن تحمل هذه العودة؟

في الواجهة، ثمة آلية بالغة التعقيد تتصل بدعوة فرنسا الكتل والنواب ومن التقاهم لودريان الى طاولة حوار أو مؤتمر حوار.. جدول الأعمال واضح: رئيس سيتفق على انتخابه لرئاسة الجمهورية، ورأي برنامجه، ومع أي حكومة أو رئيس حكومة، وماذا بعد إعادة تكوين المؤسسة الرئاسية، وتأليف حكومة جامعة وشاملة، وليست حكومة تصريف أعمال..

السؤال: في أي مكان يعقد الحوار، في المجلس، وكيف سيكون بدعوة أو رئاسة فرنسية له أم في السفارة الفرنسية باعتبارها أرضاً فرنسية، أم بدعوة خارج لبنان، على طريقة «سان كلو» أيام الوزير كوشنير..

ولكن وراء أكمة  الرئاسة ما وراءها! فماذا عن الموقف الفرنسي، والروسي، والصيني، والقطري، والسعودي والسوري.. كيف تحدث المقاربة، وما هي وسائل الضغط؟

لقد قرأ لودريان أياً من حوارات أفلاطون الثلاثين، لا سيّما كتابه «الجمهورية» أو بعضاً مما ورد في كتاب الأمير لمكيافيللي، ليخفف عنه عناء الحوار والمتحاورين، والناس أجمعين من لبنانيين وغير لبنانيين.. في عالم لا جدوى فيه للحوار.. سوى التحضير لأرض النار.. ثم فرض القرار!