يَستهين البعض بتداعيات فشل المهمة الفرنسية التي قادها وما يزال الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان في لبنان ويعتبرها مفصلية، ولا يبدو انه سيتراجع عن تسطير الفصل الاخير منها مهما اشتدت الحملات الاعتراضية عليها، فيما يستغرب مصدر ديبلوماسي فرنسي هذه الحملة كاشفاً لـ»الجمهورية» أن الاعتراض الذي تشهده فرنسا لدى بعض الاطراف السياسية اللبنانية على الرسالة الفرنسية لم تلمسه اثناء لقاءاتها معها خلال الاجتماعات المغلقة في قصر الصنوبر».
يكشف المصدر الديبلوماسي الفرنسي لـ»الجمهورية» أنه وبعكس المعلومات المتداولة عن توقف مهمته وعدوله عن المجيء الى لبنان فإنّ لودريان سيكون في لبنان اوائل ايلول واذا ما تأجل موعد قدومه لأسباب لوجستية او اقليمية فإن التأخير سيكون فقط لنحو اسبوع اي انه سيصل الى لبنان في منتصف ايلول وفي الغالب ستعقد الجلسة الأولى للمحادثات في قصر الصنوبر وذلك بعد جوجلة لكافة الاجوبة النيابية على الرسالة الفرنسية الموجهة الى رؤساء الكتل وبعض النواب على ان تنطلق تلك المحادثات بمن حضر، اي الاطراف التي ستوافق على الحضور. علماً انّ بعض المحادثات يمكن ان تكون ثنائية بين لودريان واطراف قد تمتنع عن الحضور في الجلسة الاولى كما انه سيتم اعلام الاطراف المتغيبة عن المحادثات بنتائجه.
تجاوب في السر واعتراض في العلن !
وإذ يستغرب المصدر نفسه التداول الاعلامي بأخبار عدم تجاوب بعض الافرقاء مع الرسالة الفرنسية التي وصلت الى مجلس النواب، يكشف لـ»الجمهورية» ان الإجابات عن السؤالين اللذين طرحمها لودريان على النواب بدأت تصل الى السفارة الفرنسية، مستغرباً الحملات العدائية التي شنتها بعض الاطراف السياسية المعنية بالرسائل عبر وسائل الاعلام معترضة على الشكل وعلى مضمون الرسالة الفرنسية. وقال: «ان معظم هؤلاء اجابوا عن الاسئلة وان المعترضين كانوا من ضمن الاوائل الذين اجابوا عن الرسالة الفرنسية»، لافتا الى «انّ المطلوب لم يكن بالضرورة جواباً خطياً والدليل ان البعض اختار الاجابة عبر التواصل مع لودريان شخصياً أو عبر طلب لقاء ثنائي او تواصل هاتفي. وأكّد المصدر أن المهم بالنسبة الى الإدارة الفرنسية في خطوة لودريان انها لم تسجل اي اعتراض لافت لدى معظم الاطراف سواءً على المحادثات أو على تقديم الاجابات على السؤالين المطروحين. الا انه لم يخف في المقابل استياء فرنسا من الحملات التي شنها البعض على لودريان بعد وصول الرسالة الى مجلس النواب.
المهمة الأخيرة
وفي السياق، ذكّر المصدر الفرنسي بصلب مهمة الموفد الفرنسي موضحاً انها في الاساس ارتكزت على علاقة لودريان مع الدول الخمسة القادرة على تحريك الملف اللبناني وعرض خدماته والاستفادة من خبرته في هذا المجال بحكم المهمة التي يمثل من خلالها الرئيس الفرنسي والتي ارتكز فيها على رصيده السياسي وهو المعروف عنه بأنه مخضرم ولديه خبرة في المجال. وهو قبل مجيئه الى لبنان التقى بوزير الخارجية السعودية ومسؤولين سعوديين خلال اجتماع الدوحة وبدأ بتوظيف رصيده السياسي في الملف اللبناني، فيما تعوّل فرنسا على نجاح مهمته في نهاية المطاف لأسباب عدة أولها شخصية للودريان لما سيضيف نجاح هذه المهمة الى رصيده وسيرته السياسية ولما فيها ايضا من خدمة لترسيخ العلاقة بين فرنسا ولبنان وتثبيت متانتها، علماً ان المهمة الرئاسية لم تفرض على لودريان نتيجة ايجابية بل طلبت منه تقديم فكرة وخبرة وعرض خطة ورسم اطار يستطيع المعنيون من خلاله الاقتناع بضرورة الانطلاق في محادثات بين الاطراف السياسية على اساس اطار واضح.
ويضيف المصدر الفرنسي: «هذا الاطار تم تحديد معالمه من خلال السؤالين اللذين تم طرحهما في الرسالة الى مجلس النواب وضمن الاصول الديبلوماسية ولم يكن فيها اي نوع من الخروج عن الاصول او انتهاك للسيادة اللبنانية»، واوضح «ان الاطراف المعنيين بالرسالة الفرنسية هم أنفسهم الاطراف الذين التقاهم لودريان خلال الزيارتين اللتين قاما بهما الى لبنان وكل ما طرح خلال هذه اللقاءات تم ادراجه ضمن الرسالة، اي لم تتضمن الرسالة اي جديد ولم تسقط بالـ parachute بل أتت بعد سلسلة محادثات ولقاءات بين الاطراف المعنية ولودريان».
واضاف المصدر «ان التمني الفرنسي كان الحصول على اجابات قبل نهاية الشهر الحالي، إلا ان فرنسا لم تشترط هذا الطلب، علما ان بعض الاطراف اختاروا التواصل مع لودريان ولقائه شخصياً عوض الاجابة عن سؤالين، الامر الذي لم يشكل اي مشكلة بالنسبة الى المطلوب لأن الجوهر هو التجاوب مع الرسالة ليتمكن لودريان من بلورة الاجابات خطياً ليبني على الشيء مقتضاه.
الطرح باق وليس الـ package !
وفي السياق اوضح المصدر الفرنسي ان الطرح الفرنسي نفسه ما زال قائما ولم يتغير الا ان فرنسا ليس لديها اي مانع من تقبل الاعتراضات والاقتراحات المطروحة ومناقشتها وتوضيحها، خصوصا اذا كان هناك عتب او تساؤل لدى البعض، ويكشف المصدر ان الـ package التي كانت مطروحة سابقاً اي رئيس الجمهورية مقابل رئيس حكومة لم تعد مطروحة لأنها لم تؤد الى نتيجة، الا ان الاقتراح الفرنسي الاساسي ما زال مطروحاً. ويشير الى ان المحادثات المقبلة لن تتضمن طرح أسماء، لا قديمة ولا جديدة، اذ ان فرنسا لن تعيد الخطأ نفسه في أن «تتورط» بطرح اي اسم محدد يُحسب عليها لأن الدولة الفرنسية لا تتمسك بأي مرشح مقابل آخر وتعتبر الموضوع بحت لبناني.
فرنسا تلوّح بالعقوبات وباحتمالات عدة!
وفي السياق حذّرَ المصدر الديبلوماسي الفرنسي عبر لـ»الجمهورية» الأطراف المعنية والمعرقلة للملف الرئاسي اللبناني من تداعيات فشل المهمة الأخيرة للموفد الفرنسي مؤكداً للبنانيين اعتبار محاولة لودريان، المحاولة الاخيرة المتاحة والمتبقية للبنان ولإنقاذه من الوضع القائم، ومذكّراً بأن فرنسا هي الدولة الوحيدة التي تسعى اليوم الى «حشر الملف اللبناني ضمن الملفات ذات الاولوية لدى الدول الكبرى فإذا فشلت في هذه المهمة فإن كل الاحتمالات ستفتح سواء من عقوبات اميركية وأوروبية وغيرها…». وكشف المصدر «ان تلك العقوبات يمكن ان تأخذ أيضاً منحى واشكالاً عدة سواء عقوبات مالية او الحد من التنقل او السفر… وأن الإطار الاوروبي للعقوبات جاهز وحاضر لإطلاقه وتنفيذه، بمعنى ان ليس هناك اي عائق في إطلاق العقوبات الاوروبية وتنفيذها»…
يختم المصدر: «انها فعلاً المحاولة الفرنسية الاخيرة قبل ان يصبح لبنان في مهب الريح».