IMLebanon

فتور حريري نحو تركيا: لسنا في حساباتها

ذهب الرئيس سعد الحريري بعيداً في الجفاء مع الأتراك وصولاً إلى قطع الطريق على هبة مالية تركية كان مجلس بلدية طرابلس قد طلبها من الحكومة التركية عبر سفيرها في لبنان إينان أوزيلدز، لإعادة بناء السرايا العثمانية في ساحة التل والتي كانت هدمت في العام 1968، وذلك لمصلحة مشروع إنشاء مرأب تحت الأرض.

على الرغم من العلاقة الجيدة التي كانت تربط الحريري مع الأتراك سابقاً، والتي تعززت بشكل كبير مع اندلاع الأزمة السورية وترجمت في إقامة شبه دائمة لنائب المستقبل عقاب صقر على الحدود التركية – السورية من أجل دعم المعارضين السوريين.

وبغض النظر عن نوع الدعم الذي كان يقدم عبر صقر، الذي أكد أكثر من مرة في تصريحات له أنه يقتصر على حليب وحفاضات الأطفال إضافة الى الأدوية، فإن الحريري كان شريكاً أساسياً للأتراك في مناصبة العداء للنظام السوري الذي كان يصنِّف الطرفين ضمن خانة واحدة.

لكن الحريري، الذي يتّخذ من السعودية مقراً له بعد قراره البقاء خارج لبنان، يبدو أنه تأثر كثيراً بالفتور الذي أصاب العلاقة السعودية – التركية على خلفية موقف المملكة الداعم للانقلاب على حكم «الإخوان» في مصر، الذي كانت تنظر إليه تركيا على أنه يشكل امتدادا إستراتيجيا لحكم رجب طيب أردوغان.

لذلك وبعد التغييرات السياسية التي شهدتها السعودية بعد وفاة الملك عبد الله بن عبدالعزيز، ومبايعة الملك سلمان، وجد الحريري أنه من المناسب رفع السقف تجاه الأتراك تماشياً مع الموقف السعودي وتأكيداً منه الالتزام به.

وترجم الحريري موقفه من الأتراك لدى عودته الأخيرة الى لبنان، وتحديداً خلال البحث في إنماء مدينة طرابلس وعرض مشروع مرأب ساحة التل مع مجلسها البلدي الذي عرض أيضاً موضوع الهبة التركيّة.

فوجئ المجلس البلدي في طرابلس بموقف الحريري تجاه تركيا. ونقل بعض الأعضاء عنه قوله «إن الهبة التركية مجرد وهم ولن تبصر النور، وتركيا اليوم لا تضعنا في حساباتها بل هي تهتم بأمورها الداخلية، وبدل أن تتبرع لنا بهبة مالية قدرها خمسون مليون دولار لإعادة بناء السرايا العثمانية، فلتلتفت الى مشاكلها المالية التي تنعكس سلباً على كل قطاعاتها».

ويشير الأعضاء الى أنهم ذكَّروا الحريري بأن تركيا أنشأت مستشفى في صيدا وقامت بتأهيل التكية المولوية في طرابلس، كما أنشأت مؤخراً مطاراً في مقديشو على نفقتها، وهذا لا يشير الى أنها تعاني من أزمات مالية. لكن الحريري، بحسب الأعضاء، تعاطى مع كلامهم بلامبالاة، وشدد على ضرورة طيّ ملف الهبة التركية، داعياً أعضاء المجلس البلدي الى دعم مشروع المرأب في ساحة التل الذي أقرته الحكومة.

وقد خرج أعضاء المجلس البلدي من الاجتماع بانطباع أن الحريري يريد أن يوجه رسالة سياسية الى تركيا عبر طرابلس، برفضه أي مشروع تريد أن تدعمه أو أن تساهم في إنجازه، وأن يوحي للأتراك بأنه صاحب القرار في طرابلس التي تضم المئات من الآثار العثمانية.

لكن اللافت أنه مع عودة الحريري الى السعودية، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ضيافة الملك سلمان بن عبد العزيز، من أجل البحث في تعزيز العلاقات مع الحكم السعودي الجديد. وهذا الأمر أظهر بأن موقف الحريري من تركيا بقطع الطريق على هبتها جاء متأخراً، وأن الحريري نفسه قد يكون غرّد خارج السرب السعودي الذي بدأ بإعادة وصل ما انقطع مع تركيا.

وتركت هذه المتغيرات سلسلة من التساؤلات لجهة: كيف سيتعاطى الحريري مع الانفتاح السعودي – التركي؟ وكيف سيفسر المواقف التي أطلقها في لبنان للأتراك؟ وهل سيتراجع عنها بما يعيد إحياء الهبة التركية في طرابلس أم أن الاعتذار سيكون كالعادة سيد الموقف؟