واضحة ومفهومة، وكان من الأجدى عدم الإنجرار إلى مأرب حزب الله الذي اضطرّ للاستعانة بـ «تناحة» وئام وهّاب، إذ أنّ قيام نوّابه وجوقته المعهودة بشنّ هجوم مباشر على الرئيسيْن الحريري الأب والإبن سيشعل نيران الفتنة المذهبيّة، خصوصاً أنّ الطائفة السُنيّة «قلبها مليان» من أسلوب تعامل الحزب مع الرئيس المكلّف والرغبة في «إذلاله» و»تكسير رأسه»، لذا كان عليه الاستعانة بسفاهة وصفاقة وئام وهّاب المعتادة، فأين الجديد في ذلك؟!
الكلام المسعور الذي يطلقه وهّاب لا قيمة ولا وزن له مع أنّه جزء من اللعبة، وهو وإن كان مجرّد «هوشة غبار» ليس إلا للتعمية على الكلام الأكثر خطورة الذي قاله «سُنّي حزب الله» الوليد سكريّة ومن على شاشة حزب الله المنار، إلا أنّ هذه وقد اجتمعت تذكّرنا بالحملة العنيفة التخوينيّة التي شُنّت على الحريري الأب قبيل اغتياله، نفس اللغة ونفس الإهانات، نفس المشهد يتكرّر منذ أيام، يحتضن تلفزيون حزب الله ويرعى تخوين سعد الحريري واتهامه بأنّه «يحارب لنصرة المشروع الأميركي والإسرائيلي في المنطقة»، هذه النسخة من الكلام سمعناها في شباط العام 2005 قبيل أيام من نسف الحريري الأب بطنّيْن من المتفجرات، يومها قيل «رفيق الحريري معروف أنّه يمثّل المشروع الإسرائيلي»، نفس السياق، أزمة حادّة وأفق مقفل، جوقة مخوّنين وشتّامين تنطلق دفعة واحدة، وحزب الله وأمينه العام باتا محشوريْن في زاوية خانقة، فيما يتلهّى بعض جماعة تيار المستقبل وينحدرون إلى مستوى خطاب أسوأ بكثير من «فرقعة هذا الطبل» والردّ عليه مع أنّ لا وزن له ولا قيمة ولا محلّ من الإعراب، هو بالكثير «قرقعة عظام في طنجرة»، حتى الـotv تلفزيون التيّار الوطني الحرّ والمحسوب على رئيس الجمهوريّة منحت منبراً بالأمس لوئام وهّاب ليمعن في كيل الإهانات للرئيس سعد الحريري!
حزب الله متوّرط في صناعة هذه الحملة والتهم والتخوين، وكلّ أدواته انطلقت بكبسة زرّ منه، خصوصاً أنّ هناك إجماع لبناني أنّه هو من يعطّل تشكيل الحكومة، حتى البيئة الحاضنة لحزب الله غير قادرة على فهم سلوك أمينه العام وتعطيله للبلد لفرض توزير سُنّي آخر هم «بيئة الحزب» أن يتوزّر و»لّا ستين عمرو ما يتوزّر»، ما نشاهده هجمة مرتدة وخطيرة جدّاً كتلك التي استهدفت الحريري الأب مع أزمة قانون الإنتخاب، حزب الله فرض على نفسه وعلى الرئيس المكلّف معركة لا يمكن أن تنتهي إلا بغالب ومغلوب، البلد دخل خلال اليوميْن الماضييْن في مواجهة عنيفة بين معادلة انكسار حسن نصر الله أو انكسار سعد الحريري، وحتى اللحظة لا مخرج ولا أفق لنهاية هذه المواجهة!
من واجبنا أن نلفت إلى خطورة ودقّة هذه الأيام، لدقّة وضع حزب الله واستشعاره أنّ ما ينتظره سيىء جدّاً، ثمة مثل لبناني يقول «الحيّة لما بتنضاق بتعضّ بطنها»، وضع حزب الله تماماً مثل هذه الحيّة، ولكنّه اختار أن يعضّ بطن الرئيس سعد الحريري، والتشنّج الذي استيقظ بحدّة ليلة الأمس يشير إلى أنّ الأمور آخذة في التدهور، إن لم يعيد حزب الله «تكميم» أفواه «مسعوريه» الجائعين لنهش اللحم والذين أطلق لهم العنان وأفلتهم من مربطهم!
حذار ثمّ حذار، هذه الأجواء الملبّدة غير مطمئنة على الإطلاق وتنذر بشرور قد تندلع في الشوارع وأنها متى انفلتت لن تجد من يضبطها، الأجدى اليوم هو الالتفاف حول الرئيس سعد الحريري، وأن تكون سلامة أمنه الشخصي وتنقلاته فوق كلّ اعتبار، خصوصاً وأن حزب الله متهم أكيد ومخطط ومنفّذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في أجواء شبيهة بالتي نشاهدها هذه الأيام!