لم يظهر بعد أنّ بعض الأطراف مستعدّ لمواكبة ما تشهده سوريا. والأخطر إذا كان هناك مَن لا يريد ذلك، أو يرى أن له مصلحة في ما سينتهي اليه بعض السيناريوهات. فالمنطقة التي كانت تغلي من تحت بدأت تغلي من فوق مع أسراب الطائرات في أجوائها التي تنتقل كأسراب الطيور المهاجرة. وعليه فما هو المطلوب؟
يؤكّد ديبلوماسيّ غربي مطلع أنّه من السابق لأوانه الحسم بما ستؤول اليه التطورات الجديدة في سوريا، فالعمليات الجوية الروسية ستأخذ مداها الى حين، والى اللحظة التي يمكن أن يكون التفاهم الأميركي – الروسي قد أخذ أطره العسكرية والديبلوماسية الجاري ترتيبها من دون تغييب أطراف الحلف الدولي المعلن على «داعش». فلكلّ منها دور في التسوية بما تقتضيه من تركيب للسلطة الجديدة في سوريا وتقسيم النفوذ.
بالتأكيد، يجزم الديبلوماسي الغربي، ويضيف: لن تنكفئ قوى الحلف الدولي الى الخلف إذا ما طلب ضابط روسي مهما علا شأنه من الأميركيين وغيرهم وقف طلعاتهم فوق سوريا أوعلى الأقل حيث تحلق الطائرات الروسية. وأنّ قوات الحلف ستواصل عملياتها في سوريا وفق سلّة الأهداف المكلفة بها وهي وإن تراجعت حدتها في الأيام القليلة الماضية فإنها لم تتوقف بعد ولن تتوقف في المدى المنظور.
ويضيف الديبلوماسي أنّ هذه المعطيات لم تتجاهلها القيادة الروسية، وهي لم تقل حتى اليوم إنّها البديل عن قوى الحلف في مواجهة الإرهاب، وإن إختلفت معهم على تصنيف هويات المجموعات السورية المعارضة وحجم مخاطرها.
وقد سبق لها أن وجهت رسائلها منذ اللحظة الأولى للكشف عن انتشارها في سوريا وقبل أن تقوم بأولى عملياتها الجوية، الى القيادة الأميركية لتنسيق المواقف وترتيب العمليات العسكرية منعاً لأيّ إصطدام غير مرغوب به. لكنّ اللافت أنها لم تعلن سوى عن تفاهمها وتل ابيب على قواعد الإشتباك ودور الطرفين منعاً لأيّ حادث بين القوّتين الإسرائيلية والروسية وهو أمرٌ يجب التوقف عنده بعناية تامة.
ولذلك، فإنّ الوضع الجديد في سوريا الذي فرضته العملية الروسية، جاء في الشكل بناءً لطلب النظام السوري في اللحظات الأخيرة لمساعدته على مواجهة الإرهابيين، واستعادة الأراضي السورية التي خسرها.
فالجميع يتذكر التزامن بين الضربة الأولى للطيران الروسي والكشف عن رسالة الرئيس السوري بشار الأسد إلى هذه القيادة لمساعدتها كما بالنسبة الى التصويت الذي شهده مجلس الدوما الذي أعطى الرئيس فلاديمير بوتين قبل دقائق من أولى الضربات الجوية حقّ التدخل بقواته العسكرية خارج الاراضي الروسية، وهو ما أفقد الرسالة السورية أهميّتها في الشكل والتوقيت والمضمون للأسباب الآتية:
– في الشكل والتوقيت كانت القوات الروسية قد أخذت مواقعها في شمال سوريا قبل أن تتلقّى هذه الرسالة. وأنجزت الإجراءات اللوجستية في قاعدة حميميم الجوية قرب اللاذقية منذ نهاية آب الماضي بعد ايام من العمل على توسعة المدارج، ونشرت وحدات الحماية وراداراتها في المنطقة.
وسبق أن انزلت البوارج الحربية آلياتها ومعداتها في مرفأ اللاذقية وقاعدة طرطوس البحرية على مراحل من منتصف آب الى الرابع من ايلول الماضيين ولم تبدأ العملية الجوية إلّا في اليوم الأخير من ايلول وفجر الأول من تشرين الأول الجاري.
– في المضمون، فقد سبقت الإجراءات الروسية الرسائل الديبلوماسية السورية. فالروس تأكّدوا أنّ الجيش السوري بات على قاب قوسين أو أدنى من الإنهيار وأنّ التوقيت الذي إختارته موسكو للبدء بالعملية العسكرية كان دقيقاً للغاية وفق التوقيت الروسي الإقليمي والدولي قبل أن يكون وفق الساعة السورية.
لذلك يعتقد الديبلوماسي أنّ الرهان بأنّ التدخل الروسي سيكون حاسماً وسيقلب التطورات رأساً على عقب ليس دقيقاً على الإطلاق. فأمام القيادة الروسية مهلة محدَّدة لتطلق عمليتها العسكرية قبل أن تنتظم الإتصالات مع بقية القوى المشاركة في الحلف. وما اللقاءات التي عقدها بوتين في نيويورك وباريس سوى البداية في انتظار المقبل منها لترتسم من خلالها صورة المرحلة المقبلة.
وبناءً على كلّ ما تقدّم، يؤكّد الديبلومسي أنّه لا يمكن لللبنانيين مواكبة هذا الحراك الدولي بالكثير من «الترف السياسي» الذي يمارسونه حتى اليوم. وما عليهم سوى ترميم ما يمكن ترميمه في الداخل ليكون لبنان حاضراً في التسوية النهائية، فلا يجرّه المتورطون في الأزمة السورية، الخاسرون كما الرابحون إن وجدوا، الى حيث لا تتوافر المصلحة الوطنية العليا وما على الرسول سوى البلاغ.