Site icon IMLebanon

الكذب ملح مَن؟

في الأدب، أصدَقُ الشعر، عند العرب، أكذَبُه. أي إتيان المعنى من خلال وسائط التخييل والصورة. لعل ذلك هو أجمل المعاني، وإن لم يكن أصدقَها، في المقياس الحرفي والمعجمي الدقيق لمعنى الصدق.

في الحبّ، أصدَقُ الحبّ لستُ أدري. بل أدري تماماً. لكن ليس من معيار إجماعيّ. فإذا قلتُ بالوضوح الواضح والصريح، قام عليَّ رهطٌ من المُحبّات والمحبين من اللواتي والذين يقولون بالتعقيد والالتباس والإيهام والغموض والتركيب وعدم التبسيط في العلاقات الإنسانية الحميمة. العكس أيضاً صحيح.

في الحياة، أصدَقُ الحياةُ أكثرُها صدقاً. لكن هذا النوع من مباشرة الحياة، عرضةٌ للافتراس التراجيدي على أيدي المراوغين الذين لا يرتقون في الدنيا إلاّ صعوداً على سلّم الخديعة.

أما في السياسة، فالأمور واضحة ولا لبس فيها: أصدق السياسة، في لبنان خصوصاً، ولكن في العالم أجمع أيضاً، أكذبها. فأين ينبغي أن يضع المرء نفسه لكي تسلم الجرّة، جرّة الأدب وجرّة الحبّ وجرّة الحياة وجرّة السياسة؟

الجواب معقّد في كلٍّ من هذه الميادين، التي ربما، بل يجب أن، تلتقي جميعها في “مكان ما” من العقل والروح والجسم والقلب، حيث يجب أن يكون الصدق والنزاهة أساساً ومعياراً لا حياد عنهما.

هذا الـ”مكان ما”، وأقول ذلك بدون وعظ، يجب أن يكون نقياً، نقاء الثلج في جبال الهملايا، حيث لا هواء يعبر إلاّ هواء الأبدية مضمخاً بعطورٍ، لا قدرة ليد الكذب أن تلوّثها.

هذا الـ”مكان ما”، أكان في الأدب أم في الحبّ أم في السياسة أم في شؤون الحياة مطلقاً، هو النبع، الذي إذا تلوّث بشيء مسموم، كاذب، غير صادق، فإن الشرط البشري كله يكون مضروباً بهذا التلوّث، لا الشيء الملوّث ذاته فحسب.

هناك دراسات كثيرة تتحدث عن نسبة الأكاذيب عند الرجال وعلوّ كعبهم في هذا المضمار قياساً بنسبة الأكاذيب عند النساء، خلافاً للتفكير السائد. يمكن ذلك ان يكون مرتبطاً بتاريخ متواصل ومتراكم من الذكورية في كل مكان من العالم، التي تجعل العقل الذكوري قابلاً لأرجحية الكذب، بل قابلاً لـ”الحق” الذكوري في ممارسة الكذب، أكثر من النساء. ولكن ليت العلماء يجرون أيضاً دراسات عن نسبة الأكاذيب عند رجال السياسة مقارنةً بالمواطنين العاديين. لعلها تثبت انهم اوادم واننا نظلمهم. حرام.

ولكن، حسبي أن العلماء لا يقومون بها، تلك الأبحاث والدراسات والاحصاءات، لسبب واحد، هو ان نتيجتها معروفة سلفاً ولا يحتاج تأكيدها الى برهان علمي.

مش كده؟