Site icon IMLebanon

معراب تختار الحراك الشعبي… والربح لباسيل

 

 

 

الأكيد أنّ الرئيس سعد الحريري، انتظرها من رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، لكنه لم يتوقعها من رئيس حزب “القوات” سمير جعجع. صحيح أنّ علاقته بالأول، طلعاتها توازي نزلاتها، ولكن مع الثاني كان الاعتقاد سائداً أنه مهما تراكمت المصاعب بينهما، فسينجحان في إيجاد فسحة مشتركة من شأنها أن تسمح لهما بالانسجام في مواقفهما في لحظة مصيرية.

 

لا بل أكثر من ذلك. في بيت الوسط، سادت القناعة خلال عطلة نهاية الأسبوع، وتحديداً بعد زيارة الوزير السابق غطاس خوري إلى معراب، أنّ تحفظات جعجع طوال الحقبة الماضية، كانت مرتبطة حصراً بالتسوية الرئاسية ومندرجاتها والتي أتت على حديقة “القوات” الخلفية في بيت الوسط، وعلى علاقتها التحالفية بـ”تيار المستقبل”. وبالتالي سيكون من المنطقي جداً أن يلتقط جعجع الفرصة بعد انقضاض باسيل على تفاهم السنوات الثلاث مع الحريري، ليعيد وصل ما انقطع مع شريك التسوية الرئاسية، من خلال صنارة “تسمية” الحريري في الاستشارات.

 

صحيح أنّ غطاس خوري لم يأت بجواب إيجابي من معراب، لكنه وفق المطلعين لم يأت أيضاً بردّ سلبي، ما رفع من منسوب التفاؤل في بيت الوسط، حول إمكانية تحصين “القوات” لترشيح الحريري ميثاقياً لتفادي وصول البلاد إلى الحائط المسدود.

 

غير أنّ ليل معراب الطويل أفضى إلى اختيار “الشغور” رئيساً للحكومة، وكأنّ جعجع يردّ الصاع صاعين لمن تخلى عنه في العديد من المحطات الحكومية، بسبب التماهي بين بعبدا وبيت الوسط. وإذ بالحريري يدفع ثمن الحروب السياسية التي جوّفت ترشيحه للرئاسة الثالثة من الدعم المسيحي الوازن، وبات رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية وحيداً في المركب الحاضن لتسمية رئيس “تيار المستقبل”.

 

تباينت وجهات النظر المفسّرة لقرار “القوات” بعدم تسمية الحريري رئيساً للحكومة، إلى حدّ التضارب أو التناقض. البعض يراها ضربة معلم سددتها معراب في ملعب الحراك الشعبي، من خلال التماهي مع مطالبه وتلبية ندائه بتفضيل رئيس حكومة من صنف التكنوقراط، على رئيس “تيار المستقبل” الآتي من قلب المنظومة السياسية المرذولة برمّتها.

 

في المقابل، ثمة من يرى الخطوة القواتية، مسماراً في نعش العلاقة المهتزة أصلاً، بينما كان يُنتظر منها أن تكون فرصة ذهبية تساعد “القوات” على إصلاح ما أفسده زمن التسوية الرئاسية وما تخللها من استحقاقات ومحطات، بدت فيها العلاقة الثنائية بين بيت الوسط ومعراب في أسوأ حالاتها.

 

كان الرهان في الفلك المؤيد للحريري، أنّ جعجع سيقطف هذه اللحظة الثمينة لمصلحته، ليخوض معركة تحجيم “التيار الوطني الحر” الذي اختار رئيسه الانتقال إلى مقاعد المعارضة، بعدما قرر التمرد على الصفّ الحكومي وترك مقاعده لقمة سائغة لخصومه. وستغلّب “القوات” نظرتها إلى الدولة الآيلة إلى السقوط، على حساباتها الشعبية، فتختار إعادة ترميم المؤسسات الدستورية ولو على حساب مصالحها الذاتية.

 

لكن معراب بدت ليل الأحد الماضي مهجوسة بهاجس الحراك الشعبي الذي راح يأكل أخضر الأحزاب ويابسها، ولو أنّها انكفأت نسبياً عن الشارع، بعدما ثبت لها أنّها في لحظة الحساب، ونقابة المحامين نموذج حيّ، ستوضع في مقلب خصوم قياديي الحراك، مهما قدمت لناسه من هدايا مجانية.

 

ولكن رغم ذلك، لم تجرؤ على الإقدام على خطوة مساندة الحريري، وفضلت البقاء على الضفة المقابلة خشية انقضاض المحتجين عليها على قاعدة “كلن يعني كلن”. هكذا، تمّ تبليغ الحريري أنّ “القوات” لا تستطيع السباحة عكس تيار الشارع وهي ستضطر إلى حجب أصواتها عنه في هذه اللحظات الصعبة.

 

وقف جعجع في وجه عدد لا بأس به من مكونات قيادته النيابية والوزارية، الذين صوتوا لمصلحة تزكية الحريري وإخراجه سليماً من معمودية الاستشارات المؤجلة. لكن “الحكيم” اختار ضفّة الجمهور، مقدماً هدية مجانية إلى باسيل الذي خاض معركة الحكومة ضدّ الحريري تحت عنوان “معاً داخلها أو خارجها”. وإذ بجعجع يفعلها بالضربة القاضية. وها هو باسيل يضحك في سرّه بعدما استرد زمام مبادرة التصرف بمسار ومصير رئيس حكومة تصريف الأعمال.

 

في بيت الوسط، كان الحريري أمس محاصراً: الاستشارات مطوقة ميثاقياً. “التيار الوطني الحر” يخوض معركة وجودية. “القوات” تصفي حساباتها فيما صور الساحات تجتاح أذهان قائدها. أما الأزمة المالية فتجاوزت كل الخطوط الحمراء. وبدت كل المنافذ المؤدية إلى حلّ يخرج الحكومة من عنق الزجاجة، مقفلة.