IMLebanon

«إتفاق معراب» أو الخطيئة الإستراتيجية في حق عموم اللبنانيين والمسيحيين خصوصاً

 

كي لا تتكرّر مأساة لبنان (9/12)

 

 

منذ بداية الفراغ الرئاسي عند نهاية ولاية الرئيس سليمان في 25 أيار 2014، سارع سمير جعجع إلى فرض نفسه مرشحاً طبيعياً لقوى 14 آذار، باعتبار أنه «الأوزن» بين الأعضاء المسيحيين لهذا الفريق. فدعمه أطراف 14 آذار على مضض ومن دون حماسة للأسباب التي ذكرتها في المقال السابق. أما جنبلاط، فكان في حينها متموضعاً كمستقل خارج 14 آذار وبلور تموضعه هذا بترشيح هنري حلو للرئاسة. وكانت الأطراف اللبنانية كافة مجمعة على تفسير خاطئ للمادة 49 يحتّم نصاب الثلثين في كل دورات الإقتراع، مما يعني أن التوافق على انتخاب جعجع كان من رابع المستحيلات. كان الجميع يدرك انعدام حظه بالفوز بالرئاسة، بمن فيهم هو، غير أنه آثر خوض المعركة الإنتخابية، جلسة تِلوَ الأخرى، لتقوية موقعه التفاوضي عندما يعتبر أن الوقت قد حان للتفاوض.

 

إعلان النيّات

 

لا شك أن «إعلان النيّات» شكّل الخطوة التمهيدية لـ«اتفاق معراب» الذي أهدى فيه جعجع رئاسة الجمهورية إلى ميشال عون. فعندما تيّقن من عدم نجاح خطوته في اتجاه فرنجية، اتخذ قرار الخوض في مفاوضات مع عون بعد 12 جلسة انتخابات رئاسية بلا نتيجة، كانت آخرها في تشرين الثاني 2014. وأثمرت تلك المفاوضات ما سُمّي بـ«اتفاق النيّات» في 2 حزيران 2015 وتم توقيعه في مقر إقامة عون في الرابية في حضور جعجع.

وكانت الغاية من تلك الخطوة تحضير القاعدتين «القواتية» و«العونية» لتقبل كل منهما فكرة الاتفاق الآتي. كما كان القصد من رفع عنوان «إعلان النيّات»، إضفاء صبغة مسيحية إيمانية عليهن وإشعار الجمهور المسيحي بصدق الموقعين عليه هذه المرة. ولكن السياسة لا ولن تكون من خلال «النيّات» وصدقها.

وكان «إعلان النيّات» عبارة عن مبادئ ومسلّمات عامة يصعب على أي عاقل تصديق أن عون سيلتزم بها، ما عدا تلك البنود التي توحي استعادة حقوق المسيحيين (ولا سيما بند قانون الانتخابات النيابية) والشراكة السوّية مع المكونات الطائفية والمذهبية غير المسيحية.

تبلور ردّ سعد الحريري على نيّة جعجع لدعم ترشيح عون، بدعم ترشيح فرنجية في 29 تشرين الثاني 2015، أي بعد ما يناهز ستة أشهر على «إعلان النيات». منذ ذلك اليوم، أصبحت المنافسة الرئاسية بين طرفين من قوى 8 آذار، مع فارق أن مرشح «حزب الله» المعلن والفعلي هو ميشال عون. وبقي فرنجية مرشح الحريري للرئاسة نحو سنة كاملة، ليعود ويعلن في 20 تشرين الأول 2016 تأييده لترشيح عون قبل 11 يوماً من إنتخابه، بعدما تمكّن جعجع من رفع «الفيتو» السعودي عن عون نتيجة لتسويقه لدى المملكة، على أساس أنه سوف يكون على مسافة واحدة، كرئيس للجمهورية، بين السعودية وإيران.

في احتفالية لافتة في معراب، أعلن جعجع تأييده لترشيح عون في 18 كانون الثاني 2016، بعدما كان سعد الحريري قد أعلن في 29 تشرين الثاني 2015 ترشيحه لسليمان فرنجية. ولم يُنتخب عون إلّا في 31 تشرين الأول 2016. غير أن نص «اتفاق معراب» ظلّ سريّاً للغاية، حتى لحظة تسريبه إلى الإعلان في 6 تموز 2018 بعدما ارتفعت حدّة التناقضات السُلطَوِية الطابع، بين جعجع وعون. وحصلت الانتخابات النيابية في 6 أيار 2018، وفق «قانون جورج عدوان»، وهو في حقيقة الأمر قانون «حزب الله» الذي كان قد اقترحه في سنة 2004، تحضيراً للانتخابات التي حصلت سنة 2005. فأمّنت هذه الإنتخابات 29 نائباً لباسيل بزيادة 8 نواب ولجعجع 16 نائباً بزيادة 8 نواب أيضاً. غير أن حزب الله مع «حلفائه» حصلوا على أغلبية 72 نائباً. وأمّنت الإنتخابات الأولى في عهد عون 29 نائباً لجبران باسيل بزيادة 8 نواب على التكتل الذي ترأسه، ولجعجع 16 نائباً بزيادة 8 نواب أيضاً. غير أن «حزب الله» حصل مع «حلفائه» على غالبية 72 نائباً في البرلمان.

والملاحظ أن أيّاً من الجانبين اللذين وقّعا الاتفاق لم يعلن تبنّيه لذاك التسريب. ولكنّ المرجح أن جبران باسيل سرّبه لإحراج جعجع، باعتبار أنه اتفاق محاصصة كامل المواصفات في أحد أوجهه الأساسية بين «القوات» و«التيار»، وقد أخلّ به جعجع. والحقيقة، أن أي مراقبا موضوعيا كان يمكن له أن يتوقّع فشل هذا الإتفاق لسببين أساسيين:

1- لأن ميشال عون لا يمكن إلّا أن يكون الحليف الوفي لـ«حزب الله»، ولا يستطيع إلّا أن يغطي له سلاحه وكل ممارساته في الإقليم.

2- لأن اتفاق المحاصصة مع جعجع عبئاً على ميشال عون بعد انتخابه رئيساً، خصوصاً أن علاقته برئيس حكومته سعد الحريري أصبحت أكثر من سويّة من حيث تقاسم «خيرات السلطة».

والنتيجة كانت كارثية، إذ أن «اتفاق معراب» أمّن لـ«حزب الله» للمرة الأولى الإمساك بكل مفاصل الدولة، ولا سيما المؤسسات الدستورية الثلاث: رئاسة الجمهورية، رئاسة البرلمان والأغلبية فيه، ورئاسة الحكومة عبر رئيس مغلوب على أمره، وبالتالي تمكّن الحزب من الإمساك بالقرار الإستراتيجي لحكومته.

أما أهداف جعجع من وراء عقد «اتفاق معراب» فيمكن اختصارها بالنقاط التالية:

1- أراد أن يقدّم أوراق إعتماده إلى «حزب الله» بانتخاب مرشح الحزب المعلن، أي ميشال عون، بعد تعثّر إنتخابه لسنتين ونصف السنة، ريثما يكون هو رئيس الجمهورية الذي يخلف عون.

2- أراد أن يُكبِّر حصته في السلطة بذريعة الشراكة المسيحية-الإسلامية السويّة (وهذا كلام حق).

3- أراد عبر المحاصصة بينه وبين عون أن يقبضا معاً متشاركين، على الساحة المسيحية والتحكّم بها، وتقزيم الأطراف والشخصيات المسيحية الأخرى واستتباعها.

4- أراد إفهام المسلمين، الحريري بري وجنبلاط الذين رشّحوا فرنجية، أن قرار انتخاب الرئيس المسيحي يجب أن يكون مسيحياً بالدرجة الأولى.

وإلى اليوم، لم نسمع من جعجع نقداً ذاتياً جدّياً لارتكابه هذه الخطيئة الإستراتيجية في حق عموم اللبنانيين، والمسيحيين في شكل خاص.