Site icon IMLebanon

«السبت الأسود» في معراب: المعارضة تترك «الحكيم» وحيداً: الأمر ليس لك

 

 

طوال مسيرته «العسكرية» والسياسية، اعتاد قائد القوات اللبنانية سمير جعجع التصرّفَ وفق مبدأ «الأمر لي»، قبل أن يختبر في لقاء «السبت الأسود» في معراب معنى أن «الأمر ليس لكَ». فقد شكّل اللقاء الذي بدأ أقرب إلى لقاء مسؤولين حزبيين من الصف الثالث اختباراً عملياً لعدم قدرة «الحكيم» على تزعّم المعارضة، وهي نتيجة كانت معروفة سلفاً لاعتباراتٍ عدّة وبديهية، وكان يُمكن لجعجع أن يتفاداها، لولا خليط الإنكار والتخبّط الذي يحكم خطوات قائد القوات منذ فشله في قطف ثمار مقتل مسؤول القوات في منطقة جبيل باسكال سليمان. فخطا خطوته الناقصة مغامراً ليس بصورة القوات فحسب، وإنّما بـ«قوى المعارضة» التي ستتحمل عبء تداعيات هذا اللقاء على جبهتها المزمع تشكيلها.وبعدما أعاد أصحاب الدعوة ترتيب حساباتهم نتيجة الاعتذارات التي توالت في الساعات الأخيرة، استحوذ جعجع ورفاقه في القوات من نواب ووزراء حاليين وسابقين ومسؤولين حزبيين على حوالي نصف مقاعد القاعة التي طغى عليها الحضور المسيحي، وسط فشل تام في اجتذاب أي قوى أو شخصيات نخبوية من المكوّنات الطائفية المختلفة. وحتى مسيحياً، كان جعجع وحيداً، محاطاً فقط بحزب «الأحرار» وشخصيات فاقدة للوزن والتأثير وممثلين عن المعتذرين من الصفين الثاني والثالث، ووجوه غير معروفة وأخرى مرّ عليها الزمن.

الغائب الأول كان رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل ونواب كتلته، مكتفياً بتمثيله بنائبه ميشال خوري الذي لم يتعرّف إليه الصحافيون والنائب السابق إيلي ماروني. وكذلك فعل الرئيس – المنسيّ – ميشال سليمان الذي أوفد الوزيرة السابقة أليس شبطيني، والنائبان الحليفان ميشال معوّض ونعمت أفرام اللذان تصرّفا كمرشحين لرئاسة الجمهورية، وأوفدا ممثلَين عنهما للاستماع إلى مطوّلة الحكيم. أما فارس سعيد، صقر اللقاءات المُعارضة من «قرنة شهوان» إلى «البريستول» ولقاء «سيدة الجبل»، فمقاطعته كانت معروفة بسبب علاقته السيئة مع القوات نتيجة سلوك جعجع التفرّدي، منذ عام 2018، عندما وقّع «اتفاق معراب» مع التيار الوطني الحرّ، وقرأ فيه سعيد هيمنة ثنائية حزبية على الصوت المسيحي. وها هو «الحكيم» يعيد التجربة… ويخيب.

على ضفّة الحزب التقدّمي الاشتراكي، المُقاطعة تحصيل حاصل للقاء معراب واجتماعات الصيفي «رفضاً لهذا النوع من الاصطفافات تحت السقوف الحزبية، وكذلك للخطاب التحريضي الطابع في ظل الموقف المتمايز الذي يعتمده الحزب». أما سنياً، وكما خابت آمال جعجع في انتخابات 2022 النيابية باستقطاب السنة إلى صفّه، فقد تجدّدت الخيبة، بغياب رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة والنائبين السابقين مصطفى علوش وأحمد فتفت، فحاول جعجع الاستعاضة عن المقاطعة السنية بإحاطة نفسه بـ «تريو» أشرف ريفي ووضاح الصادق وفؤاد مخزومي، وبتكليف الصادق تلاوة البيان الختامي. وكان اللافت بشكل أكبر اعتذار تكتل «الاعتدال الوطني»، أكبر كتلة نيابية سنّية، عن عدم الحضور بعد منتصف ليل الجمعة، مع الأخذ في الاعتبار العلاقة التي تربط بعض أعضاء التكتل بالمملكة العربية السعودية. كذلك قاطع النائب بلال الحشيمي الذي يحضر اجتماعات جبهة المعارضة في الصيفي. وعموماً، حكمت غياب المكوّن السني اعتبارات متنوّعة، تبدأ من الحفاظ على العلاقة مع الرئيس سعيد الحريري، مروراً بعدم المجازفة بخطوة لم تشجّع السعودية عليها، وصولاً إلى مراعاة الشارع السني المتفاعل مع المقاومة في غزّة ولبنان. أما «التغييريون» فلم يحضر منهم سوى الصادق وحده.

تداعيات لقاء معراب ستنعكس على إطلاق جبهة المعارضة

 

ووسط تركيز جعجع الهجوم على حزب الله من باب الحرب الدائرة على الحدود الجنوبية، أتى غياب الوجوه الشيعية المعارضة ليضعف الصورة أكثر. علماً أنه أثناء انعقاد اللقاء، كان معارضون شيعة يجتمعون في فندق «Small Ville» في بدارو، بدعوة من مركز «أمم» و«ائتلاف المعارضة الشيعية»، وكان آخرون يحضرون نشاطاً نظّمته منسّقة تجمّع «دولة لبنان الكبير ضد التقسيم» حياة إرسلان في عاليه، ما يدحض ادّعاءات جعجع بأنّ الحزب مارس ضغوطاً على بعض المدعوّين ليقاطعوا طريق معراب، واصفاً الحضور إليها بالبطولة، وكأنّ اللقاء يُعقد مثلاً في بلدةٍ حدودية. علماً أن بعض هؤلاء المعارضين عبّروا صراحة، بحسب مطّلعين، «أمام قوى المعارضة من كتائب وسواها بأنّهم غير قادرين علناً على حمل السقف المرتفع لخطاب حزبَي الكتائب والقوات في لحظة الحرب في الجنوب».

حفاظاً على ماء الوجه، لملمت «القوات» المشهد، وآثرت الترويج بأنّ الدعوة لم تكن تهدف إلى إطلاق جبهة معارضة، ما يتعارض وكلام نائب القوات فادي كرم في مداخلة تلفزيونية قبل يومين عن احتضان معراب لجبهة مواجهة ستنطلق منها. في المحصّلة ثبّت اللقاء رسالةً أساسية مفادها أنّ أحداً لا يستطيع اختصار الجو المعارض، حتى لو كان صاحب أكبر كتلة نيابية. واستخلص الجميع، حاضرين وغائبين، أن لا جبهة بدون القوات، لكن لا جبهة ترأسها القوات. وعليه، تنشغل أوساط معارضة بالسؤال، «هل تكمل القوات تنسيقها بشأن جبهة المعارضة مع الحلفاء الذين خذلوها وفي مقدّمهم الكتائب، أم تعيد تثبيت حضورها عبر فرض شروطٍ للسير بالجبهة؟».