بعد أن تمكنت مخابرات الجيش اللبناني من الكشف بسرعة قياسية عن قتلة باسكال سليمان، وأحبطت محاولات التجييش والفتنة في منطقة كسروان – جبيل، ومنها الى كل لبنان، حاول حزب “القوات” استغلال الحادثة في انتخابات نقابة المهندسين، ولكنه لم يتمكن من الفوز فيها، لذلك يحاول استثمارها في المزيد من المواقف، آخرها كان اعتباره أن الجريمة لم تكن لتحصل “لولا ترسّخ ثقافة الإِفلات من العقاب، ولولا التماهي الكامل بين سلاح الميليشيات وسلاح المافيات، وسهولة تنقُّله في العمق اللبناني وعبر الحدود مع سوريا”.
هكذا تناسى المجتمعون في معراب، في مشهد لا يشبه إطلاقاً مشهد “لقاء البريستول” عام 2005، أنهم وما يمثلون كانوا من أشد المدافعين عن النزوح السوري بداية الحرب على سوريا، وكانوا من أشد المهاجمين لكل من تسول له نفسه المطالبة بوقف النزوح أو إعادة النازحين الى بلدهم، وتحديداً رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، وتحولوا اليوم فجأة الى “خائفين” على مصير البلد، بسبب النزوح الذي بدأ منذ 13 عاماً ولم يحركوا ساكناً لمنعه أو ضبطه.
هذا على سبيل التذكير، ولكن للقاء المعارضة يوم السبت الماضي في معراب أهداف أخرى، بعيدة كل البعد عن معالجة ملف النزوح السوري، تقول مصادر متابعة، إذ حاول رئيس “القوات” سمير جعجع “التربّع” على عرش المعارضة في لبنان، ليسبق بذلك رئيس الحزب “الكتائب” سامي الجميل وآخرين كانوا يعملون على إنشاء جبهة سياسية معارضة بوجه حزب الله، ومن خلال النظر الى حجم الحضور وترتيبه الحزبي، يظهر بحسب المصادر ، أن اللقاء لم يرق الى مستوى ما كان يتمناه جعجع، فهو بالشق الحزبي تكوّن من قيادات ونواب “القوات” بشكل أساسي، وممثل عن “الكتائب” وبعض النواب، أما بقية الشخصيات فليس لها الوزن السياسي المؤثر في لبنان.
أهداف جعجع من اللقاء، كانت بحسب المصادر، متعلقة بالبحث عن “دور”، فهو يريد القول للخارج بشكل أساسي ان المعارضة في لبنان موجودة ويمكن لـ “القوات” تمثيلها، وهذا الأمر سيخلق في المستقبل خلافات عديدة بين أركان القوى، التي تصنف نفسها في خانة المعارضة. فهل تقبل “الكتائب” على سبيل المثال أن يكون جعجع ممثلها في أي لقاء مستقبلي يُعقد لأجل تسوية ما؟
بدأ الشعور بالتهميش لدى قوى المعارضة منذ فترة، تقول المصادر، مشيرة الى أن هذه القوى عبرت عن استيائها من تهميشها أكثر من مرة للسفيرة الأميركية السابقة في بيروت، ويومذاك كان اللقاء مع المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين في المطار، كـ “جائزة ترضية” للقوى المعارضة، وتؤكد المصادر ان الزيارة الأخيرة لهذا الفريق الى واشنطن لم تحمل معها ما يُشبع تساؤلاته حول موقعه ومدى إمكانية احترام هذا الموقع في أي تسوية مستقبلية تتناول الملف الحدودي بشكل أساسي ومعه الملفات السياسية، خاصة بعدما عبّر مسؤولون في حزب الله عن رغبتهم هذه المرة باستثمار النصر العسكري بوجه “اسرائيل” في الداخل السياسي.
هذا الشعور بالتهميش يمكن مراقبته داخل “القوات”، فالحزب اليوم وجد نفسه بعيداً حتى عمَن كان يعتبرهم حلفاءه من العرب، فهؤلاء الحلفاء قرروا مؤخراً انتهاج النهج الانفتاحي على الجميع، بعد تيقنهم أن اعتمادهم على “حلفائهم” سابقاً لم يؤدّ الى سوى خروجهم من المشهد اللبناني، لذلك قرروا الانفتاح أكثر.
لم يتمكن لقاء معراب من إعادة مشهد “لقاء البريستول” عام 2005 ، فكان النسخة المقلدة المشوهة له، ففي ذلك الوقت كان اللقاء السياسي عابرا للطوائف والمذاهب والمناطق، ولقاء اليوم “تجمّع” من لون واحد، لأجل البحث عن دور.