ليس الشهيد معاذ الكساسبة الذي أحرقه مجرمو “داعش” بالنار، وحده ضحية هذه الحالة المتخلّفة، فقد سبقه مئات، بل آلاف الشهداء في سوريا ممن جرى إحراقهم على أيدي مجرمي نظام بشار الأسد من دون أن يرفّ للعالم جفن. هل كان على العالم أن ينتظر إحراق هذا الطيار العربي الأردني المسلم الشاب لكي يدرك معنى ان “داعش” المجرم هذا وُلد من رحم “دواعش” اخرى اولها نظام بشار الاسد في سوريا، وحكم نوري المالكي ومن خلفه في العراق؟ هل كان عليهم ان ينتظروا إحراق معاذ الكساسبة لكي يفهموا ان السياسة الاميركية التي قضت بفعل المستحيل لمنع سقوط نظام قتلة الاطفال، ومقتلعي الحناجر في سوريا، وهي السبب المباشر الذي ادى الى نمو التطرف والغلو باسم الدين، والى تمدد “داعش” بسهولة مشبوهة؟ وهل كان عليهم ان ينتظروا جريمة إحراق معاذ الكساسبة لكي يفهموا ان “داعش” لم يولد من عدم، بل من رحم تطرف آخر سبقه الى القتل والذبح في العراق على يد ميليشيات مذهبية، والى غزو تلك الميليشيات المذهبية لأرض سوريا نصرة للقتلة ضد الشعب السوري الثائر، وصولا الى غزو بيروت والتسلط على لبنان واللبنانيين، وأخيرا وليس آخراً اليمن؟
إن معاذ الكساسبة باستشهاده، يذكرنا جميعا، كم كان كثيرون في الغرب محقين، وكذلك في العالم العربي، بأن حماية نظام بشار الاسد من السقوط أمام الثورة العارمة، وكذلك ترك المشروع الايراني بوجوهه كافة يقتحم المشرق العربي لن يجلبا الاستقرار، بل انهما سيخلقان بدل الوحش الواحد الذي كان في الاصل وحوشا، لينتهي الامر بتقاتل الوحوش في ما بينها، وذهاب الشعوب العربية ضحية تخلّفين يتقاتلان على ارض العرب. هذا يمجد القتل بالحرق، وذاك يمجد الموت ويذمّ الحياة. إننا في اختصار، نعيش مرحلة تناحر الظلاميين من الجهتين، احداهما اسوأ من الأخرى. الجهتان تمثلان أسوا ما في الإنسان.
لقد ذكرنا معاذ الكساسبة بالطريقة التي قتل فيها بأن هذا المشرق مقبل على ايام سود. وذكرنا بأنه ما لم تتم مواجهة اصل الداء فلن تفلح اي حملة عسكرية، جوية كانت ام برية، في حصر نيران ظلامية كـ”داعش”. ومواجهة الداء تبدأ بأن يدرك الرئيس الاميركي باراك اوباما “حامي بشار الاسد”، ان ترك نظام قتل اكثر من ثلاثمئة الف مواطن سوري قائما، وعدم العمل الجدي على انهاء معاناة السوريين، وكذلك الشرائح العراقية المضطهدة، سيفاقمان الامور.
ان اي بحث في سبل دحر “داعش” يستوجب من التحالف الدولي البحث في سبل انهاء نظام القتلة في سوريا ودحر الميليشيات التي تقاتل على ارضها، وتلك التي تضطهد ملايين العراقيين تحت عنوان “مكافحة الارهاب”، وانهاء الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين.
لا فرق بين ظلامي مجرم آت من هنا، وظلامي مجرم آت من هناك. بهذا المعنى كلهم “داعش” في شكل أو آخر.