من الواضح أن الموجة التي مثّلها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وهي تجاوز كل الأحزاب التقليدية، مثّلت خياراً آخر للفرنسيين غير اليمين المتطرف أو الإشتراكية.
وتضافرت مجموعة عوامل أدت إلى هذه النتيجة التي تحققت أيضاً في البرلمان. فحصل على ولاية لسنتين على الأقل، يُفترض أن يتمكن خلالها من معالجة امور الفرنسيين الإقتصادية والإجتماعية، وما نتج عن العولمة وتراجع المقومات الإقتصادية في مناطق فرنسية عدة. يفترض أن يحكم بزخم ما دامت السلطتان، الرئاسة والتشريع، في يده. وليس من السهل وفقاً لمصادر ديبلوماسية أوروبية، أن يجد حلاً لكل مشاكل فرنسا، ولا سيما أيضاً ما نتج عن النزوح السوري.
أما سياسته الخارجية، فكان اللافت فيها تصريحاته الأخيرة حول النظام السوري، ولكن لن يتغيّر شيء قبل حسم إنتخابات ألمانيا، والتوجهات الأوروبية لتصبح التوجهات الفرنسية أوضح.
الموقف الفرنسي الفعلي لم يتغير إزاء الوضع السوري وفقاً للمصادر. انما هناك إبداء لمرونة في إطار ديماغوجي. إذ أنه بعدما سمع وزير الخارجية الفرنسي أثناء زيارته لموسكو، أن كل الهم لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يحارب الإرهاب، وان لا تكون هناك دول فاشلة مثل ليبيا، وإنه لا يهمه شخص الرئيس السوري بشار الأسد، انما إستقرار سوريا، وبعد تقييم الوضع على الأرض من حيث انتصارات النظام ومن يحميه، أي الروس، بعد كل ذلك، وإذا كان هناك من حل سياسي يقف الروس بجدية إلى جانب تحقيقه، فإن ماكرون اتخذ المواقف التي اعلنها حول الأسد، بحيث لم يعد رحيله شرطاً لأي عملية سياسية.
وهذا، بحسب المصادر، ليس تغييراً كبيراً، لأنه منذ أكثر من سنتين قبل الغرب كله بعملية سياسية من دون رحيل الأسد. وينطلق ماكرون من أن روسيا موجودة على الأرض، الأمر الذي يحتم التعاون. انما فرنسا تريد أن تعرف هل روسيا مستعدة للدخول بعملية سياسية حقيقية أم انها ستستفيد من الإيحاء بذلك، للحيلولة دون إخراج الأسد من السلطة؟.
ووجد ماكرون أن البحث بالدستور في مفاوضات جنيف لم يتقدم، على الرغم من أن ذلك مطلب روسي تبنّاه الموفد الدولي للحل في سوريا ستيفان دي ميستورا لتسهيل العملية السياسية، حتى أن عملية أستانة لا تتقدم، ولم يستطيع الأطراف الإتفاق على خرائط مناطق خفض التوتر ولا على آلية المراقبة. وما يحصل في درعا لا يمكن التغاضي عنه، حيث في حال استعادها النظام يُعدّ ذلك فشلاً لأستانة، فهل وعود الروس بأنهم ينخرطون في عملية سياسية جدية، ولا سيما أن ماكرون يفضل الحل السياسي؟ إن ماكرون لم يغيّر موقف فرنسا، لكنه يُبدي إستعداداً للمرونة، مع الإشارة إلى أنه يدرك تماماً أن التفاوض يحتاج إلى مقومات داعمة على الأرض، ولن يسيطر الأسد على كل الأرض أو يستعيد سلطته الكاملة عليها.
ماكرون يقول بالحل السياسي، خصوصاً وأنه بعد الإنتهاء من «داعش» يصبح هناك ضرورة للتفاهم على الوضع السوري، وبالتالي إبداء المرونة، لا سيما تجاه الطرف الروسي من أجل إحياء عملية سياسية جدية، بات أكثر من ضروري. وعدم التغيير في السياسة الفرنسية يظهر في الإستعداد الفرنسي لضرب النظام إذا إستعمل السلاح الكيماوي مجدداً.
لا يزال ماكرون متمسكاً بالمسلّمات الفرنسية الكبرى، مع الإشارة إلى أن توقع إنهاء «داعش» في سوريا يحتاج إلى أقل من سنة. هناك تعقيدات كبيرة يجب أن تتوضح معالمها في المنطقة. وكيف ستتعامل المعارضة السورية بكل أطيافها مع الأزمة السورية. وتريد فرنسا في هذا الجو، السعي إلى ملاقاة روسيا في منتصف الطريق إن كانت جادة فعلاً لإحلال السلام في سوريا، وفرنسا تريد تسهيل الحل في سوريا عبر الحوار وتخفيف سقف التطرف في المواقف.